منذ وصول الإخوان إلى الحكم في عدد من الدول العربية حتى صارت الجماعة في بؤرة الاهتمام المكثف بالتحليل والنقد مع وضد، وسوف يستمر ذلك ردحا من الزمن لأسباب تتعلق بسياسات عالم اليوم في الدول العربية والعالم الغربي تجاه الإخوان ومنهم من يدعم حركتهم ولكن الكثير أضحى يدرك منهجية الإخوان والغاية الأساسية من رغبتهم في الوصول لزمام الأمور، وما حدث في مصر خلال العام الذي تولى فيه الإخوان حكم مصر من تدهور سياسي واقتصادي ومالي والتحريض على الاستعداء بين أبناء الوطن الواحد وكادت مصر أن تنهار لولا أن قيض الله لها من يقيلها من عثرتها وإعادة الأمور إلى نصابها الصحيح لما فيه صالح مصر أولا وعالمنا العربي والإسلامي.. ونظرا لأهمية إلقاء مزيد من الضوء لفهم حركة الإخوان وأسلوبها وأهدافها رأيت أنه من المناسب تخصيص هذا المقال عنهم وسنتحدث عن تاريخ الإخوان منذ عام 1928 - نبذة تاريخية - وعلاقة الإخوان في مصر خلال العقود الثمانية من القرن الماضي ومنهجية الجماعة والأهداف والغايات وكيفية نشأة تنظيم الإخوان في العديد من الدول وبعض دول أوروبا ومرورا بالهيكلية الأساسية والتنسيق بين فروع التنظيم دوليا وأهداف وفلسفة الفكر الإخواني الذي يمكن أن نوجزه في مواءمته مع «التقية» في المذهب الشيعي الذي من خلال ذلك المفهوم يمكن للمرء منهم أن يكذب ويخادع وهو يعتقد أن ذلك في إطار الإباحة.. ولقد اقتبست عنوان مقال اليوم عن الإخوان من عمل درامي تلفازي بث منذ عدة سنوات عن الإخوان قام بتأليفه الأستاذ وحيد الذي يتوخى المصداقية في أعماله، مجسدا الأحداث من خلال التركيز على الشخصية، ولعل مصطلح الجماعة أفضل وأصدق من تسمية الإخوان المسلمين، حيث إن في هذا المسمى استغلالا لاسم الإسلام ومكانته ويسيء إلى الإسلام بسبب الممارسات الإرهابية التي يقوم بها ذلك التنظيم، ولذا في تقديري أنه عند الحديث عن الإخوان يكون مناسبا دون إلصاق الصفة السياسية والتي تمثل أصفى وأنقى دين حافظ على النفس والعرض وديدنه الأخلاق وحرم قتل النفس كحرمة يوم عرفة. وأقول إن الهدف من كتابة مقال اليوم أيضا هو إلقاء الضوء والمزيد من المعرفة والمعلومة عن الجماعة وأهدافها المعلنة وتلك الخفية.. وبما أن المعرفة هي عبارة عن معلومات تراكمية مضافا إليها آراء الكتاب التي تعتمد بدورها على مصادر موثقة وهكذا.. فإن المعرفة تزدهر وتتسع وينهل منها من ينهل ثم يزيد هو أيضا على تلك المعرفة التراكمية. وفي ذات السياق، فلقد وجدت بعض المعلومات المفيدة في كتاب «الإخوان المسلمون» لمؤلفه عبدالرحيم علي والأهم كتاب «مجموعة الرسائل» لمؤلفه حسن البنا وهو جدير بالاطلاع لكل مهتم بتلك الجماعة. نشأت الجماعة عام 1928 على يد المؤسس حسن البنا في مدينة الإسماعيلية قرب قناة السويس بمصر، وهي تدعي بأنها جماعة إسلامية إصلاحية شاملة وسرعان ما كبر حجمها، بسبب التنظيم المحكم من قبل المؤسس البنا، وأضحت واحدة من أكبر الجمعيات في الدول العربية والإسلامية وحتى الغربية.. وطبقا لمبادئ تلك الجماعة فإنها تهدف إلى إصلاح سياسي واجتماعي واقتصادي من منظور إسلامي شامل في مصر وكذلك العديد من الدول العربية التي تتواجد فيها الجماعة، وكذلك تشير بعض المصادر إلى أن الجماعة تتعاون بشكل وثيق وتدعم الحركات الجهادية في العديد من الدول. ويعتبر المرشد العام «المنتخب» عن طريق مجلس شورى الجماعة صاحب الكلمة واليد العليا فيها ورئيسا لها. وللجماعة هيكلية تنظيمية لا تعنينا في مقال اليوم ولكن تدلل على أن الجماعة منظمة تنظيما عاليا وبكفاءات عالمية هدفها خدمة المرشد العام وأهداف الجماعة. ومنذ نشأة الجماعة كان حسن البنا منظرها وواضع الأسس للعمل السياسي للإخوان.. ولذا فلم تكن الجماعة هيئة أو جهة دعوية دينية وفق ما أعلنوا عنها بل كان القائمون عليها يرون فيها الآلية والوسيلة للوصول إلى السلطة مهما طال الزمن.. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن المؤسس حسن البنا ومنذ السنوات الأولى لتكوين الجماعة في مدينة الإسماعيلية شرع في تدريب منسوبيها تدريبا عسكريا على أيدي عسكريين ممن ينتمون للجيش المصري في ذلك الوقت، وهذا يدلل على أن للجماعة أهدافا سياسية واضحة منذ البداية نحو السيطرة والحكم.. ولعل من المناسب هنا الإشارة إلى بعض القيادات المعاصرة للإخوان نسرد بعضا منها على سبيل الاسترشاد والاستدلال، الدكتور محمد مرسي، علي عثمان طه نائب الرئيس السوداني، خالد مشعل رئيس المكتب السياسي لحماس، إسماعيل هنية، وهذه الأسماء والقيادات لبعض من الجماعة، وكما أسلفت فإنها كاشفة لكثير من الأمور والأحداث التي حدثت وتحدث في منطقتنا. ولعله كذلك الإشارة إلى أن الجماعة الإسلامية في باكستان والجماعة الإسلامية في الهند هما من الجماعات ذات الفكر المشترك مع حركة الجماعة في مصر.. والناظر لتاريخ الجماعة في مصر منذ البداية، على يد حسن البنا، لا بد أن يلحظ قيامه ثم من خلفه بسلسلة تحالفات مع الحكم القائم في ذلك الوقت، وعلى سبيل المثال تقارب الجماعة مع الملك فؤاد ثم حسن البنا مع الملك فاروق ثم التقارب المصلحي مع بريطانياالمحتلة لمصر في ذلك الوقت ثم بعد ذلك التقارب مع بعض الضباط الأحرار قبل قيام ثورة 1952 ومنهم الرئيس عبدالناصر ثم الرئيس السادات إبان حكمه والذي حاول استغلال الجماعة سياسيا ثم تم اغتياله على أيديهم بعد اتفاق كامب ديفيد. وبإيجاز فإن علاقاتهم قد تبدأ بالتحالف ثم الخصومة ثم الغدر بمعنى تتحول التحالفات وفق مصالح الجماعة ورؤية المرشد العام وكلما اقتضت الحاجة لذلك. وفي عهد الرئيس السابق مبارك تبنت الجماعة آلية أسلوب التغلغل في العديد من المؤسسات وخصوصا النقابات والاتحادات العمالية والمهنية مثل الأطباء والمهندسين والمحامين وهيئات التدريس في الجامعات.. ولعل الأمر لا يحتاج إلى توضيح من أن فكر هذه الجماعة ومنذ المؤسس حسن البنا قد تبنوا الفكر المتطرف.. وكذلك فإن منهج الجماعة كان التلون في مواقفهم ومتاجرتهم بالدين وتبنيهم السياسات الإرهابية والتصفية وصولا للسلطة، وليس كما يدعون، إرضاء لله ولخدمة الوطن.. وهذا الأمر ظاهر الآن ومنذ أمد بشكل جلي بما يحدث في مصر من قتل واغتيال وإرهاب وتدمير بشكل غير مسبوق من قبل الجماعة.. ومما سبق عن الجماعة في مصر يمكن للمرء أن يصل إلى النتائج التالية: 1- أن جماعة الإخوان في مصر ومنذ التأسيس وعلى هيئة جماعة دينية دعوية كان نصب عين المؤسس البنا بناء حزب قوي مدرب عسكريا وذي شبكة أخطبوطية بدأت في مصر بهدف الوصول إلى الحكم. 2- ومع فترات الصعود القليلة التي مرت بها الجماعة ثم فترات السقوط، بسبب منهجية وأهداف الجماعة، بدأت في الانتشار ومنذ البداية في العديد من الدول العربية والإسلامية وكذلك بعض الدول الأوروبية عن طريق عناصرها البشرية المنتمية لها وكونت فروعا ومراكز للجماعة في تلك الدول ويجب أن لا ننسى دور الجماعة في نشر فكرها المتطرف عن طريق التعليم في المدارس داخل وخارج مصر بالأخص. 3- أن منظري الجماعة الإخوانية ليسوا فقط من مصر وبعض الدول العربية ولكن أيضا ينتمون إلى بعض الدول الإسلامية غير العربية ومنهم من كان يعد «المعلم» والمنظر الأساسي للفكر الإخواني المتطرف الذي يبرر العنف لتحقيق أهدافه.. 4- مع بداية أحداث 2010 في العديد من الدول العربية وصل الإخوان للحكم في بعض الدول العربية ومنها مصر وبعد انتظار تجاوز الثمانين عاما. ولكنه وبعد مرور عدة شهور أدرك السواد الأعظم من الشعب المصري أن منهجية حكم الإخوان في مصر أو الجماعة، أدت إلى نتائج كارثية في إدارة البلاد واقتصادها وأمنها واستقرارها بل وعلاقاتها وتحالفاتها التي كانت تهدف إلى إحداث تغيرات جيوسياسية في المنطقة وتحالفات غريبة عن منطقتنا العربية.. 5- ويذكرنا منهج الإخوان - الجماعة - بما نادى به مكيافيلي المفكر السياسي الإيطالي ومنذ عدة قرون من أن الغاية تبرر الوسيلة وهذا بالضبط ما قام ويقوم به الإخوان والجماعة في مصر بل وبعض الدول العربية. لقد استعاد الشعب المصري زمام الأمور في مصر، ولكن ما زال الإرهاب والتدمير والاغتيال من خلال الجماعة، معتقدين بأن ذلك سيعيد الأمور إلى سابق ما كان، وكلنا يعرف أن التطرف الفكري والتدمير والإرهاب والاغتيالات لا يمكن أن تؤدي إلى الاستقرار في مصر والمنطقة المحيطة بها بل ستؤدي إلى مزيد من عدم الاستقرار والهبوط.. ولكن من جهة أخرى نرى، ولو بعد حين، أن مرحلة ما بعد الجماعة قد بدأت منذ 25 يونيو للعام 2013 ولا بد لإرادة الشعب المصري أن تسود نحو العدالة والحكم الرشيد ومصلحة الشعب أولا وأخيرا.