عندما قضيت بعض الوقت في مزرعتنا الخاصة، لفتني أحد العاملين في المزرعة فهو يعمل بكل شغف وحب ونشاط، يأتي الفجر ويذهب مع صلاة المغرب، لم يتأخر يوماً واحدا عن شغله، وعندما يطلب منه التوقف لراحته، يتعكر مزاجه ولا يعجبه أن يهدر بعض الوقت. مهنته صعبة نوعا ما، ولكنه يتقن عمله بكل حب وإخلاص. تساءلت قليلاً مع نفسي، لماذا لم نطبق هذا الفن في أمور حياتنا كافة؟. وبحثت عن أكبر الشركات والمديرين الناجحين، وجدت أن الجودة والإتقان هما سر نجاحهم. وحبذا أن نكون جميعاً متقنين لأعمالنا، لكي ننفض غبار الكسل، ونعيش تحت طبقة بيضاء، مليئة بالتقدم والنجاح ومواكبة التطور. فن الإتقان، هو شغف ومهارة وحماس، هو حبكة لإنجاز أفضل مما نتوقع، هو علم وحسن عمل وإبداع فيه. عندما نريد أن نتقن، يجب أن تموت السرعة أمام العمل الذي نصنعه لكي نظهر بأعلى جودة، لكي نسأل عن الكيف والإتقان، وليس عن متى تم الإنجاز. إن فن الإتقان هو المستقبل الذي سوف يحتوينا، هو النجاح الذي نسعى له، والاسم الذي يخلق لنا ألف فرصة، فسر نجاح أفكارنا هو الإيمان بها والحماس لفعلها والإخلاص في صنعها. الإتقان ليس هدفاً سلوكياً فحسب، بل هو ظاهرة حضارية تؤدي إلى الرُقي، وبالتالي إعمار المدن وتشييدها بأرقى مظاهر التطور المليئة بالإثراء. من أسباب تخلف بعض المجتمعات، أنها تفتقد خاصية الإتقان، وبالتالي سوف تنتكس ببطء. وتنتشر الصفات المناقضة له كالفوضى والتسيب وفقدان النظام وعدم المبالاة بقيمة الوقت، واختفاء الإحساس الجمعي والإهمال والغش. فالإتقان هو إحساس بالمسؤولية تجاه مجتمعنا وتجاه أنفسنا. إتقان العمل عبادة نتقرب بها إلى الله، لأن فيها صدق وأمانة واجتهاد في المهنة والتزام، وتحقيق أهداف منشودة تعود علينا بالفائدة، وتحقيق شهرة إيجابية للعمل المتقن، والدقة في الإنجاز والعناية بالتفاصيل. لذلك فإن إتقان العمل أسلوب حياة يجب أن نتحلى به، وأن نتبع أخلاقيات المهنة. وحث الإسلام على الإتقان بأعمالنا الحياتية كافة، وأمر رسولنا صلى الله عليه وسلم أن يتقن الإنسان العمل (إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه).