لم تشذ الأعمال الدرامية التي عرضت في رمضان الماضي، والتي تطرقت للتعليم ومتعلقاته، عن سابقاتها من الأعمال التي تناولته، والتي تفاوتت بين نقده واصطياد سلبياته، أو التعاطي معه بتسطيح شديد. وفي وقت رأى بعض المعنيين أن الدراما كانت مجحفة بحق التعليم، رأى آخرون أن مطالبتها بإنصاف التعليم موقف درامي آخر، فليس المطلوب منها أن تقوم بهذا الدور، وهو ليس مهمتها ولا دورها. واختلفت رؤى عدد من المثقفين والتربويين حول ما تعرضه القنوات الفضائية من خلال الدراما، باعتبار الدراما إحدى وسائل الفن الناقلة لأحداث المجتمع، ويعوّل عليها كثيراً في نقل الواقع الحياتي لكثير من القصص الاجتماعية، المليئة بالأحداث والتجارب الناجحة، إلا أن ما يعرض هذه الأيام بحسب كثيرين كان مناقضاً لوجه الحقيقة وتفاصيلها، مستشهدين بما قامت به وزارة التعليم خلال جائحة كورونا من قصص نجاح وتحد، رغم صعوبة المهمة بإطلاق المنصة الأشهر «مدرستي» وباقة من القنوات التعليمية عبر الأقمار الاصطناعية، وما قدمه المعلمون والمعلمات من جهود جبارة، فيما رأى فريق من المثقفين بأن الدراما ليست أداة لتحسين الصورة وتجميلها لأي منظومة أو فرد. لا زوايا منطقية يقول الدكتور أحمد محمد الهلالي من جامعة الطائف إن «الحديث عن الدراما الرمضانية لهذا العام، هو ذات الحديث عنها قبل سنوات عدة، فلا تزال فكرة الكوميديا المصطنعة تسيطر على الشاشة العربية، والسعودية خاصة، وثمة اتفاق مدهش بين الأعمال يشبه التناسخ في فكرة «التكلف» في صناعة مواقف كوميدية ممجوجة، ولا مناص من أن يتوقف صناع الدراما لمراجعة خطواتهم وحساباتهم، فجمهور اليوم عالمي التلقي، تجاوز مرحلة السذاجة الدرامية بمراحل». ويضيف «أما امتعاض التربويين من البرامج الدرامية، فهو موقف درامي بذاته، وكأن الدراما تقرير سنوي عن جهود المؤسسات، وما قدمته خلال العام، وأنا لا أتفق مع هذا الطرح، فالدراما ليست مسؤولة عن إطراء أحد أو تشويهه، وليست مسؤولة عن تربية المجتمع، فهي فن، والفن يتناول القضايا من زوايا فنية وموضوعية تخدم رؤية العمل، لا من زوايا منطقية، ومن الخطأ أن يُطلب من الفن أن يحسن صورة رجل الأمن والمعلم، والواعظ والطبيب والمهندس، ورجل الأعمال وكل شخصية اجتماعية، فالفن باختصار يقوم على اقتناص اللحظة الفنية، وكل تلك الشخصيات تصلح لأن تكون مادة، حسب المتاح للعمل الفني، ولا يكون المدح والذم في الاعتبار، ولا التشويه أو التلميع ميزانا يحتكم إليه، وعلى التربويين وغيرهم أن يتجاوزوا هذا التفكير». غياب الإنصاف يشدد التربوي ناصر محمد العمري من تعليم المخواة، على أنه تابع كثيرا من الآراء الغاضبة والمحتدة، التي تقول إن الدراما الرمضانية هذا العام لم تنصف تجربة التعليم عن بعد خلال جائحة كورونا، من خلال ما قدمته من أعمال ولم تقف على جهود التعليم بل تجاهلت ما بذله المجتمع التعليمي، خلال هذا العام من أجل استمرار الرحلة التعليمية، التي تحولت قصة نجاح حقيقية لجيل الرؤية، وقال «قد نتفق مع هذا الرأي جزئياً إذا ما تعاطينا مع الأمر من ناحية عاطفية، أو حتى منطقية، وهنا أشير إلى حقيقة أن مقاييس الفن تختلف عما عداه من الحقائق، فالفن بطبيعته ليس مجالاً للمنطق ولا يتسع للصح والخطأ، ولا يحفل كثيراً بهذا لأن مقاييسه تدور في فلك «يعجبني ولا يعجبني»، وهذه مقاييس فنية، أما الدراما فمهمتها «الخيال» ومنطقتها التي تزدهر فيها هي «الجدل» وتنجح أكثر حين تقلب الواقع، وتقتنص المفارقات وتلتقط المهمل والجانبي ثم تعمل على تضخيمه، وهذا ما فعلته حلقات «حظر تجول» و «باركود» حين ذهبت لالتقاط بعض الممارسات وبنت عليها مشاهد صنعت جدلاً وصل حد الغضب، ولنا أن نقول إن تاريخ الأعمال الدرامية والمسرح منذ «مدرسة المشاغبين» وما رسمته من صورة متمردة لعلاقة الطالب بمعلمه مروراً ب «ضميرأبله حكمت» ثم «اغتيال مدرسة»، وغيرها قائمة طويلة من الأعمال التي تذهب نحو المشهد الهزلي والصورة الكاريكاتيرية، ولم تذهب إلى المنطقة التي يؤملها التربويون، وأرى القضية ليست ضعف نص ولا رداءة أداء، بقدر ما هي طبيعة طريقة تناول الدراما للقضايا». منتج فعال يعتقد أستاذ الإعلام المشارك في جامعة الإمام، الدكتور عبدالله بن ناصر الحمود أن «خمسة أيام من رمضان ودقائق مشاهدة متوزعة على عينات من حضورنا «الدرامي» و «البرامجي» في عدد من القنوات، كافية لشيء من القلق على أننا في المجمل مع استثناءات محدودة ما زلنا نعجز عن «فهم» معنى «الإعلام» و «دوره» و «إنتاجه»، وعن أن نترجمه لمنتج حضاري فعّال». ويضيف «عليه أدعو لإنشاء «كيان مؤسسي» للإنتاج الإعلامي في مجالي «الدراما» و «البرامج الوثائقية والمنوعة» تقوده وزارة الإعلام، وتؤسسه كيانات ذات قيمة وطنية مشهودة، من كبريات شركاتنا الإعلامية والاقتصادية، بنظام وحوكمة متقدمين، بحجم تطلعات رؤيتنا 2030، وبقدر احتياجنا لمن يحسن التعبير عنا. الدراما تكاد تنتهي لأن الدراما السعودية لم تدرك بعد المرحلة الاتصالية الراهنة وما زالت تقتات من نسب المشاهدة، التي يحققها لها الجيل الأكبر سنا، ولكن غير الفاعل ثقافيا واجتماعيا». ويكمل «من الدراما السعودية ما يناقش التعليم عن بعد مثلما ناقش أكواخ الحمام في الأسطح قبل ثلاثين عاما.. ذات الشخصيات، وذات المواقف الدرامية، وذات الحبكة، وذات الأسلوب في «الذب» الدرامي». ويتابع «من أعجب مظاهر عجزنا الإعلامي، عجزنا الدرامي، مع أن بيئتنا غنية بكل ما يمكن أن ينتج فضلا دراميا مهيبا». عمق حياتي يذكر المسرحي مفلح سحلي البلوي أن «أكثر من سنة مرت علينا وعلى العالم بأسره بظروف هي الأسوأ في التاريخ الحديث، وهي سنة أتت على العالم بجائحة غيّرت نمط الحياة وتغير فيها كل شيء، سنة من التضحيات والألم، ومليئة بالمواقف الحزينة والسعيدة، ولأن الدراما بطبيعتها تستمد عمقها الأدبي والفني من مثل هذه المواقف الحياتية، فقد انتظرنا من الدراما السعودية والخليجية بالذات، أن تسد لنا هذه المواقف بصورة بهية تُظهر لنا الجانب الإنساني الذي يلامس كل فرد من هذا المجتمع، ولأن رمضان هو معرض الدراما وفترتها الذهبية فقد تسمّرت أعين المهتمين بالوسط الفني أمام الشاشات، منتظرين إبداعا يضاهي هذه المادة الدسمة في عام كامل فاخرنا به العالم حكومةً وشعباً، ولكن كانت الصدمة بكل أسف، فمع أول حلقات من البرامج المفضلة والفنانين المفضلين لدى المشاهد الخليجي، تحطم الأمل وتقاصر الطموح، حين رأينا كم الإسفاف المعروض قسراً على الشاشات، والتفاهة والسطحية التي تناول بها أرباب الدراما السعودية هذه المواقف وهذه المعاناة، ففي هذه السنة ضرب الشعب السعودي أروع الأمثلة في التضحية والامتثال للاحترازات التي توصي بها منظمات الصحة، وضربت الحكومة السعودية المسددة أمثلة فاقت بها كل دول العالم في التحكم بسير الجائحة حتى تجاوزنا عنق الزجاجة دون خسائر تذكر، مقارنة مع أكبر الدول وأغناها، ثم يأتي هذا الطرح التافه من الدراما السعودية لينتقي أكثر النماذج شذوذاً ويجعلها كأنها القاعدة، ويتناول أمورا بسخرية تكسر قلب كل عائلة فقدت حبيباً في هذا المرض. هذه الانتقائية الغبية لا تخدم إلا الأعداء، فلن يتعب المتربص بنا في البحث عن السلبيات فقد جمعها أبطال الدراما السعودية وعرضوها وكأنه لا يوجد إلا هذه النماذج، وحتى لا نجحف في الحكم، فبعض الحلقات عرضت بعض الصور الجميلة عن الشعب السعودي ولكنها لم تكن كافية وسط هذا الكم الكبير من السخافة، التي تشير إشارة واضحة إلى إفلاس الكتاب، وقصر نظر المخرجين والمنتجين، ولأن الشاشات الرئيسة أصبحت حكراً على هذه الوجوه المتكررة، فلا غرابة من تكرار طرحهم المتواضع، لأن كل ما سيطرحونه سيعرض في صدر الشاشة دون منافس». صدمة كبيرة يقول رئيس الأنشطة المنبرية بنادي الجوف الأدبي عذال سليمان الرويلي «لا يخفى على الجميع ما للإعلام من دور مهم في تشكيل الوعي الجمعي، بكافة أشكاله وأساليبه المرئية والمسموعة والمقروءة، وما يمثل التليفزيون والإنتاج الدرامي من مسلسلات أو غيرها من غرس القيم، ودعم الاتجاهات الإستراتيجية للشعوب في عقول النشء، وبما أن ذروة هذا الإنتاج الدرامي يبث في رمضان فقد كانت صدمتنا كبيرة هذا العام لما حملته لنا الشاشات من إنتاج رديء، ومواضيع مستهلكة غلب عليها طابع التهريج والسطحية، التي لا تعكس بأي حال من الأحوال ما تعيشه المملكه من قفزات هائلة على كافة الأصعدة، وفق منطلقات رؤية 2030 إلا أننا فوجئنا بسخف التعاطي مع كافة المواضيع، التي تم تناولها وبالرغم من إيماننا التام بما يمثل الأسلوب الساخر، كأداة لإيصال الأفكار إلا أن ما تم عمله وإخراجه لا يمكن تصنيفه تحت أي بند من البنود الفنية، فعلى سبيل المثال في أحد الأعمال تمت السخرية من منصة مدرستي ومشروع التعلم عن بعد، والذي نجح نجاحا باهرا بدعم هائل من حكومتنا الرشيدة، والعمل الجبار الذي قامت به وزارة التعليم وتضافر جهود المعلمين والطلاب، وتضحيات أولياء الأمور للعبور بعام استثنائي إلى بر الأمان، والذي تفاجأنا ونحن نشاهد الحلقة من النماذج المعروضة في الحلقة من قائدة مدرسة متسلطة على زميلاتها، ومهملة لبيتها ولولي أمر يتلصص على المعلمات، لمعلمة تطبخ أثناء شرحها للطالبات، في غياب تام لأي نموذج مشرف نموذج واحد يرفع العتب على الأقل، فإذا كان الفن مرآة الشعوب فهذا الفن ليس مرآتنا ولا يمثلنا ولا يمثل الفن بأي حال». انتقادات للدراما لم تنصف التعليم. قدمت نماذج سلبية. تعاملت بسطحية. لم تعكس التطورات في المجتمع. لم تناقش القضايا الاجتماعية بعمق. تناولت مواضيع مستهلكة. كررت الأفكار نفسها. تعمل بطريقة تناسخ الأفكار. تعتمد التكلف في صناعة مواقف كوميدية ممجوجة. لم تواكب تحول الجمهور إلى عالمي التلقي. منصفون للدراما الدراما ليست تقريرا سنويا عن جهود المؤسسات. ليست مسؤولة عن إطراء أحد أو تشويهه. ليست مسؤولة عن تربية المجتمع. الفن لا يتناول القضايا من زوايا منطقية. ليس من الفن تحسين صورة رجل الأمن والمعلم والواعظ والطبيب والمهندس ورجل الأعمال وغيرهم. مقاييس الفن تختلف عما عداه من الحقائق، فالفن بطبيعته ليس مجالاً للمنطق ولا يتسع للصح والخطأ. الدراما يزدهر فيها «الجدل». الدراما تنجح أكثر حين تقلب الواقع وتقتنص المفارقات، وتلتقط المهمل والجانبي ثم تعمل على تضخيمه. الدراما تركز على المشهد الهزلي والصورة الكاريكاتيرية. مهمتها ليست تلميع أحد