إن السبيل الأمثل لقياس تطور أي أمة عبر التاريخ هو النظر إلى ما تزخر به من علوم، ولعل بروز الحضارة العربية الإسلامية أثناء ما عرف بالعصور الوسطى المظلمة لخير دليل على ذلك. الأمة العربية الحديثة لا تملك من العلم سوى الأدب ولا يشتهر آحادها إلا بلسانه البليغ الذي يجعل العرب تصفق لما ينطق به. ثم إن التطور العلمي الذي وصله العرب في ذلك الوقت جعلهم يدخلون دائرة المنافسة، بل والسيطرة أمام حضارات ثقافية عملاقة كحضارة الإغريق والصينيين والهنود والرومانيين، إلا أن هذه الحضارة التي ازدهرت وطرقت كل أبواب المعرفة سرعان ما تقهقرت أمام نهوض الحضارات الأخرى والذي جاء نتيجة الطفرة الهائلة للجامعات الأوروبية التي انتشرت في أوائل القرن الثاني عشر الميلادي في كل من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا واليونان. والمثير في الأمر أن تلك الجامعات الأوروبية جاءت مستنسخة من الحضارة العربية آنذاك والتي كانت تقيم مدارس خاصة داخل الجوامع الإسلامية الكبرى لتدريس العلوم الدينية والمدنية، بل إن تلك الجامعات الأوروبية أخذت على ترجمة المؤلفات العربية في مختلف العلوم والتي أصبحت فيما بعد نواة حقيقية لكل العلوم المدرسة في القرنين الثاني عشر والثالث عشر للميلاد. ووصولا إلى هذه الأيام فإن الحضارة العربية تقبع في ذيل حضارات العالم العلمية، نظرا لإغفال قيمة العلم والعلماء، إلا أن ما تشهده دول عربية كالسعودية ومصر والأردن من التفاتة قوية نحو العلوم بشتى أنواعها لهو دليل قوي على إمكانية عودة الحضارة العربية إلى أوج قوتها أمام الحضارات الأخرى. إن ما تشهد المملكة العربية السعودية من طفرة جامعية حقيقية يقودها الملك عبدالله بن عبدالعزيز لهو دليل على الوعي الحكومي بأهمية العلم والعلوم في بناء المستقبل. وإنشاء ما يقارب العشرين جامعة في غضون ثلاثة أعوام لهو دليل على التوجه الصحيح نحو التقدم الثقافي والحضاري، بل إن ابتعاث أكثر من 120 ألف طالب وطالبة لهو الدليل الأكبر لقفزة حضارية ستجني المملكة ثمارها في الأعوام القليلة القادمة إذا ما تحققت شروط عدة. فهل يا ترى ستحقق جامعاتنا العربية والسعودية طفرة علمية استنادا على العلوم المكتسبة من الجامعات الغربية بعملية عكسية أشبه ما تكون بالطفرة العلمية الأوروبية خلال القرون الوسطى؟ أم أن كل ما نراه هو مجرد زوبعة في تاريخ حضارتنا؟