الأدب الشعبي بكل صنوفه المعروفة، من القصيد، العتابة، الزهيري، الحكاية، وغيرها، جزء من الموروث الثقافي لأي مجتمع، ومنها بالطبع مجتمعاتنا الريفية، والبدوية. ويكتسب الموروث الأدبي أهميته، ليس من خلال اعتباره جزءًا من الهوية فحسب، بل لأنه يمثل ثقافة مجتمع الريف، والبادية، بكل تفاعلاتها الاجتماعية، والزمانية، والمكانية، وبالتالي فهو كنز تراثي متراكم من حاصل كل تلك التفاعلات، والتي اعتاد الناس على تداولها في مجالسهم، واستلهام القيم الإيجابية منها، مثل الكرم، والفروسية، والوفاء، وغيرها من المناقب الفاضلة، كلما أمكن ذلك. لكن خفوت وهج الأدب الشعبي في مجتمعاتنا الحديثة، بتداعيات العصرنة الجامحة، وضع ذلك الموروث الشعبي الجميل على طريق التلاشي التدريجي، حيث بات هذا الخفوت يدق جرس إنذار حقيقي بتلاشي أحد مصادر تشكيل أصالة الهوية الاجتماعية. وإذا كانت ذاكرة الثقافة العربية، تحفل بثراء زاخر في موروثها الشعبي، بسبب عراقته الضاربة في القدم، بما هو آصرة أصالة، فلا شك أن الأمر يتطلب العمل على تنشيط هذا النمط من التراث، وجمع ما يمكن من حكائيته الشعبية بكل أصنافها، وتناولها رواية، وتداولًا، ونقدًا، وقراءة، وتلقيًا، سواء على المستوى الشعبي الدارج في مجالس السمر، والدواوين، كما هو معتاد، أو على المستوى العلمي والأكاديمي، وذلك لإعادة الروح له، والحفاظ على ما تبقى منه من الضياع، قبل أن تكنسه وسائل العصرنة الصاخبة المفتوحة في كل الاتجاهات بلا قيود.