يتشكل الكون بكل مخلوقاته من وحدة واحدة، نحن دائماً نعرف أنفسنا بأننا جزء من الكون ولسنا منفصلين عنه. هذا الوعي الشمولي بالكون والطبيعة والآخرين، إحدى أهم ركائز الحياة السعيدة والحياة الناجحة. نحن نفهم أنفسنا أكثر عندما نعي أننا جزء من كل، وأن لنا دورا مهما وجوهريا في هذه الحركة الدائبة للحياة، وأن أي سلوك وأي فكرة وأي عمل، وكذلك أي وعي يجب أن ينسجم وأن يكون مفيداً ونافعاً لمحيط الحياة بالكامل. تكمن المشكلة في اللحظة التي ننفصل فيها عن الوعي الشمولي. عندما نفكر في حدود الأنا المنفصلة عن العالم والكون والآخرين، حينها يظهر الشيطان متمثلاً في شخصيتنا! عندما يعتقد الفرد أنه يحق له أن يفكر أي فكرة، أو يمارس أي سلوك، أو يتصرف أي تصرف خارج المنفعة العامة للكيان الكلي للحياة والآخرين، هنا يتحول إلى شيطان! في اللحظة التي يسمح فيها لنفسه، أن يكون خارج منظومة الأفكار الطيبة والإيجابية، ويرى أن من أبسط حقوقه أن يفكر أفكارا بائسة ومدمرة وخبيثة. حين يظن أنه يمتلك الحق في نشر فكر هدام أو قبول فساد مالي أو أخلاقي، أو حتى على مستوى أقل من ذلك، كغيبة إنسان أو إلقاء المخلفات الضارة أو اختراق الأنظمة الجماعية، أو التساهل في التفريط بحقوق الآخرين، أو التركيز على منفعته الشخصية على حساب الإضرار بالعباد والبلاد. عند هذه الحالة يكون الوعي منفصلاً عن وحدة الكون المنسجمة، وعياً يتمثله الشيطان ويجد فيه أنسب بيئة ووعاء للاحتضان والظهور. إن الوعي المنفصل عن الكون والجماعة، هو وعي مضلل. إنه يسوق الشخص ليعيش ضمن حدود «فكرة النجاة».. «أنا أنجو وليس لبقية العالم أي أهمية».. وتفكير النجاة تفكير مضطرب. إنه أشبه بحالة شخص تأخر عن موعد مهم، وهو يقود سيارته باضطراب وتهور مخالفاً أنظمة المرور، وحقوق المشاة ممسكاً بالمقود بشدة وتوتر، ويكرر الضغط على المنبه دون وعي بالإزعاج الذي يسببه للآخرين. في مثل هذه اللحظة لا يعير أي اهتمام لحقوق أي طرف آخر في هذا الكون، إنه منفصل تماماً ولا يرى إلا حقه في عدم التأخر عن موعده! لذلك فإن الوعي المنفصل عن كلية الوجود، وغير المدرك لدوره المؤثر في حياة الآخرين، يجعل الإنسان مضطرباً متوتراً، يدافع بغرائزه البدائية لينجو من مشكلة ما، معتمداً على فكرة النجاة وحدها، والإنسان الخائف الهارب المنفصل عن الآخرين هو أكثر إنسان مناسب للشيطان. إننا بحاجة حقيقية لفهم عميق لوجودنا في هذه الحياة، وأهمية دورنا في منظومة الحياة بالكامل، ومتى ما كان الوعي الشمولي منهج تفكير لدى الناس، ستنحصر الحروب وتقل الكوارث البيئية، وسنكون أكثر اهتماماً بالطبيعة وسلامتها، والمجتمع ومنفعته. لن نخرب حياة الآخرين، لأن ذلك بدورة الحياة ووحدة الكون سيخرب حياتنا إن عاجلاً أو آجلاً، ولن نزيد من تفاقم مشاكل مثل الاحتباس الحراري أو الفساد المالي والأخلاقي، سنكون مجموعة من البشر والكائنات الأخرى، وكأننا على قلب مخلوق واحد. قد يكون هذا مثالياً وصعب المنال، لكن ذلك بالتأكيد أكثر ما يبعد الإنسان عن أن يتحول إلى شيطان!