هوية أبها الخضراء رحيق يتسرب في الوجدان، وأرومة تضرب بجذورها في أعماق الأرض تتدلى غصونها المورقة على مشارف الزمان. هذه المدينة التي تتفاعل مع أهلها منذ أمد بعيد فمنحتهم جودة الحياة وأسرار الإبداع، وحفزتهم على اكتشاف مكامن الجمال والإبهار، وكانت وما زالت بوابة العبور للمنطقة كافة سراة وتهامة. إنها أبها.. إحدى اللآلئ المشعة على امتداد ربيعنا الأخضر في بلد العطاء والنماء المملكة العربية السعودية. وأخذت المدينة شهرتها من غطائها النباتي وأشجارها المثمرة ومزارعها الخضراء، ولا يكاد حي من أحيائها إلا والخضرة تصافح عينيك حتى المنازل أمام أبوابها وعلى شرفاتها كانت تستقبلك برياحينها ونباتاتها العطرية المتنوعة. ومنح الله هذه المدينة الواعدة واديين (أبها وضباعة) تنتشر على ضفتيهما المزارع والبساتين التي تجود فيما مضى طوال العام بصنوف شتى من الحبوب والفواكه والخضروات. وكانت القرى المحيطة والأودية والروابي والمطلات منظومة بيئية متكاملة تبعث على الارتياح.. وهذا ما جعل الشعراء يهيمون بها ويتفنن الأدباء في وصفها ويتنافس الفنانون والرسامون والمصورون على إبراز معالمها الساحرة. ونظرا لأن أبها بصفة خاصة ومنطقة عسير بصفة عامة تعيش نقلة نوعية في هذا العهد الزاهر عهد الهمة والبناء. وتشهد نجاح تجربة لأول مرة وهي مشاركة المجتمع المحلي بكافة اطيافه في مسيرة فريدة للتنمية يقودها ويتابعها سمو الأمير تركي بن طلال بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير فإن جمال أبها وتألقها وحسنها يكون في إعادة إخضرارها مثلما كانت في عصور خلت. ومن حسن الطالع أن تفوقت أبها والمنطقة في تنظيم مواسم ناجحة ومتميزة خاصة الصيف المنصرم أساسها الشجرة ومنها حصاد القمح ومهرجان الفواكه الصيفية والخضروات، وقد لمست مدى الرضى والفخر من الأهالي والمزارعين والزوار وهم يحتفون بخيرات الأرض. ولذلك أقترح أن تتحول أبها إلى مدينة خضراء ولا أقصد الشروط العالمية للمدن الخضراء مثل المناخ والطاقة والبناء.. وإنما البدء في مشروع وطني ضخم لتشجير مدينة أبها بمشاركة الإدارات الحكومية وطلاب وطالبات المدارس والمعاهد والجامعة ونشامى عسير والشركات والمؤسسات. ويتم وضع خطةحازمة سريعة لزراعة عشرات الآلاف من الأشجار المثمرة التي تناسب بيئة أبها إلى جانب إعادة حفر وترميم الآبار المشهورة داخل المدينة والتي لم تكن المياه تنقطع عنها. وأيضا يشارك سكان الأحياء في زراعة أشجار مثمرة على بعض الأرصفة الجرداء حول منازلهم. ولا يعتقد شخص أنني أدعو إلى (ترييف) أبها.. وإنما تشجير المدينة من خلال تقسيمها للمشاركين في حملة التشجير إلى مربعات من الداخل ثم مداخلها الرئيسة من جهاتها الأربع، وبعد ذلك للساحات والمطلات والروابي المحيطة بها. وأنا أعلم أن أمانة منطقة عسير لديها خطط للتشجير، ونفذت منها خلال السنوات الماضية جهودا مشكورة.. لكني لا أتحدث عن مشاتل الزهور أو التشجير داخل الحدائق.. وإنما تكون مبادرة كبرى لتشجير أبها وتغطية أي مواقع مكشوفة يأتي منها التشوه البصري. وبحول الله سوف تنجح هذه الحملة الوطنية وتتغير معالم المدينة إلى الأجمل، وقد تنتقل الفكرة إلى القرى والمحافظات.. ومما يعزز النمو السريع للأشجار ملاءمة الأجواء والتربة وطبيعة المنطقة.