إن أعظم مهمة قد يقوم بها الإنسان في حياته هي مهمة تحسين سلوكه، أن يقضي الشخص ساعات وأياما وسنين وهو يرتقي بأخلاقه ويعلو بصفاته أجدى وأهم من أن يقضيها لأي هدف آخر. كل إنسان يتخلل سلوكه جوانب من الضعف أو الانحراف أو الخطأ وطريق النجاح يبدأ مع اللحظة التي يتبنى فيها خيار إصلاح الذات. وكما يقول الأديب الراحل علي الطنطاوي "ابدؤوا بإصلاح أخلاقكم فإنها أول الطريق". تتكون السمات الشخصية يوماً وراء يوم، وتحفر المبادئ نقوشها في السلوك مع كل تجربة وحادثة تمر، ويكون للقيم قدرة على التجلي متى وضعناها في المكان المناسب من اهتمامنا. ومن يعتقد أنه مجموعة طباع راسخة لا تتبدل، وأن للجينات الوراثية موقف السيادة على تصرفاته فإنه لن يتغير ولن تتغير المشاهد التي تتكرر من حوله. أما من أخذته دوامة الحياة، وصار مهتماً بإصلاح كل شيء يتعلق بحياته عدا سلوكه فإنه يبدأ من الوجهة الخاطئة لأن حقيقة الإصلاح والتغيير تبدأ من الداخل. والغريب، أنه بقدر ما للإنسان من سلطة على نفسه إلا أنه يضيع قدراً كبيراً من جهده في محاولة تحسين الأشخاص والأمور التي لا سلطة له عليها ولا مقدرة، بينما يترك نفسه للظروف معولاً أن الحياة كفيلة أن تعلمه وتصنع الفارق لصالحه دون جهد منه أو سعي، وقد نبه الكاتب الإنجليزي شكسبير لهذه النقطة بالتحديد حينما قال "تنازلوا عن دوركم في إصلاح الناس وأصلحوا أنفسكم" وتلك حقيقة فمتى ما عجز الإنسان عن إصلاح نفسه فكيف سيكون مصلحاً لغيره؟ إن أكبر الإصلاحات الاجتماعية في التاريخ وأكثرها بدأت بأفراد صنعوا التصحيح في سلوكهم وكانوا قدوة لغيرهم، وكما يقول المفكر الإماراتي الدكتور عبدالله عمران "إصلاح الأمة يبدأ من إصلاح النفس". إننا إذا أردنا لوطن أن يزدهر ولمجتمع أن يتفوق فعلينا الرجوع للخلية الأولية للمجتمع، وإلى اللبنة الأساسية وهي سلوك الفرد. لقد ذكر ذلك الكاتب الأمريكي الشهير مارك توين "لا شيء يحتاج إلى إصلاح أكثر من عادات النفس". كل فرد مطالب بأن يصلح من أخلاقه وسلوكياته إنها عملية مهمة وضرورية ويجب أن تكون مستمرة ودائمة. إنها عملية نبيلة ولا تقل عن أهمية التعليم الرسمي أو البحث عن عمل أو الارتباط بشريك العمر أو أي محطة من المحطات المصيرية في حياة أي إنسان. إذا كنت تكذب، أو تغش، أو تخون، أو تظلم الآخرين أو تتعالى عليهم، إذا كنت تنافق، وتخدع، وتثير الفتنة بين الناس، إذا كنت أنانيا، وجشعا، ولا ترى في الحياة غير مصالحك وتتهرب من أداء حقوق الآخرين. إذا كنت تحسد الآخرين على نجاحاتهم وتتمنى لهم الأمور السيئة. إن كان لديك عدد من هذه الصفات أو جميعها. فأنت بحاجة لعملية تنظيف شاملة، ووقفة جادة مع ذاتك، وجَلَد، وتدريب، وإصلاح وممارسة على الرقي، والأدب، وحسن الخلق، والتواضع، واللطف، والكرم، والأمانة، والعفة، والشجاعة للثبات على القيم، والإحسان إلى الآخرين، ومحبة الخير لكل الناس، حينها ستمضي في الطريق السليم وستصلح نفسك وسيصلح لك الناس وستصلح لأجلك الحياة.