يؤكد مارتن فرامبتن مؤلف كتاب «الإخوان المسلمون والغرب/ تاريخ العداوة والارتباط» والذي صدرت نسخته الإنجليزية عام 2018، وحرص مركز الملك فيصل للبحوث والدراسات على ترجمته وإصداره بالعربية في يوليو 2020 أن الصعود السياسي اللافت لجماعة الإخوان المسلمين في عدد من الدول العربية بعد أحداث الربيع العربي، والسجال الذي يدور اليوم حول الجماعة وقياداتها وأهدافها، حرضاه على وضع الكتاب، ليسلط الضوء على جذور الجماعة ومنهجيات قياداتها في التفكير والعمل في مختلف المراحل التي مرت بها الجماعة. ويسلط فرامبتن في كتابه الضوء على تاريخ الاتصالات المتبادلة بين الجماعة والدول الغربية المعنية، وخص منها بريطانياوالولاياتالمتحدة، مركزا على فكرة تأسيس الجماعة منذ نشوئها على يد حسن البنا في مصر، وما مرت به من منعطفات إلى أن أصبح نشاطها بزخمه الذي نراه اليوم في المجتمعات المسلمة، وفي أوروبا والولاياتالمتحدة عبر تنظيمها الدولي ومؤسساتها المتعددة. ويصر المؤلف على أن كتابه ليس كتابا في التاريخ، بل يركز على الأحداث التاريخية التي أدت لحدوث اتصال بين الجماعة والغرب، ومن هنا فإن تسليط الضوء على الأحداث التاريخية في المنطقة التي نشطت فيها الجماعة كان ضروريا لشرح ما جرى من تقارب أو تباعد بين الطرفين. ويستعرض الكتاب آراء عددٍ من السفراء والدبلوماسيين والعسكريين البريطانيين والأمريكيين حيال جماعة الإخوان، تلك الآراء التي تقلبت على مر العقود من العداء إلى محاولة الفهم والتحليل، وصولا لبعض الاتصالات المباشرة واللقاءات التي سعت لجسر الهوة الأيديولوجية بين الطرفين. ويركز المؤلف على نفي الوهم الذي يتحدث عن أن الجماعة لا تمارس لعبة السياسة، وأن قياداتها لديهم مواقف مبدئية صلبة لا يهادنون فيها، ويثبت كتابه أن الجماعة تنطوي على قدرٍ كبيرٍ من النفعية السياسية. مقدمة في مقدمة الكتاب يتحدث المؤلف عن خروج المتظاهرين المصريين في صيف 2013 معلنين عن معارضتهم للرئيس محمد مرسي العضو في جماعة الإخوان المسلمين، وبعد مظاهرات حاشدة تدخل الجيش ليزيحه عن السلطة، وفي الشهور التالية وجهت لمرسي عدد من الاتهامات الشديدة الخطورة، التي تخص العالقة المزعومة بين الإخوان المسلمين والغرب، فعلى سبيل المثال ظهرت لافتة وسط الحشود الرافضة لمرسي تشير إلى عنوان لأحد أفلام هوليوود، وتحمل عبارة «نحن نعرف ما فعلته الصيف الماضي»، تعلو صورة للسفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون، وهي تصافح المرشد العام للإخوان المسلمين محمد بديع، وقد كان المغزى واضحا: أن مرسي قد أوصل إلى سدة الحكم سنة 2012 أساسا بضغط وتدخل من الولاياتالمتحدة. وثمة لافتات أخرى أقل إبداعا، تضمنت إحداها ذما للرئيس باراك أوباما؛ لأنه «نظام فاشي»، مثل هذه الصور والإهانات كانت تعبر عن الاعتقاد الشائع بأن واشنطن قد احتضنت مرسي والإخوان المسلمين بشكل قاطع، وقد لاقت هذه الفكرة رواجا كبيرا على مدى السنتين السابقتين بين معارضي الإحوان؛ ففي وقت مبكر مع مطلع يوليو 2011، بعد أشهٍر قليلة من سقوط الرئيس حسني مبارك، قدمت السفارة الأمريكية في القاهرة تقريرا يفيد بأن النشطاء في ميدان التحرير يعتقدون بأن الولاياتالمتحدة كانت «تدعم الإخوان المسلمين، وتسعى لإقامة دولة دينية في مصر»، وعلى الرغم من رفض الأمريكيين هذه الادعاءات، وبيانهم بأن الأمر لم يكن على هذه الصورة، فإن المسؤولين الرسميين الأمريكيين قد لاحظوا أن تصور وجود «علاقة خاصة» بين الولاياتالمتحدة والإخوان قد صار راسخا، ومن بين أبلغ المدافعين عن هذه الفكرة الصحفي مصطفى بكري، المعارض الشديد للإخوان، فقد ادعى في كتابه «الجيش والإخوان» أن الولاياتالمتحدة كانت قد تآمرت أصلا مع الإخوان لضمان الإطاحة بمبارك، عن طريق مقابلاتٍ سريةٍ كانت تعقد في قطر وفي إسطنبول منذ سنة 2002. وتنص رواية بكري على أن صفقة قد عقدت وافقت فيها الولاياتالمتحدة على مساندة الإخوان للصعود إلى السلطة، مقابل وعدٍ باحترام معاهدة السلام المصرية الإسرائيلية. ليس هذا فحسب، بل إن قرار واشنطن بدعم الإخوان وفق روايته يمثل المرحلة الأولى من خطة أمريكية أوسع لبناء «شرق أوسط جديد»، فتقسم به دولا مثل السعودية وسورية، وبطبيعة الحال مصر، وسيسمح هذا حسبما قيل بتحقيق الحلم الإسرائيلي الصهيوني الأكبر، بالتوازي مع خطٍة سريٍة كان قد صاغها الأكاديمي برنارد لويس، وقبلها الكونجرس الأمريكي سنة 1983. ويضيف المؤلف «على الرغم من أن هذه التصورات قد تبدو شاذة وغير واقعية، فإن هذا النوع من التفكير كان شائعا، قد وجدت نظيرا له في كتابات أناس مثل توحيد مجدي، فكتابه الضخم الذي يحمل من المبالغات الكثير، والذي صدر باللغة العربية بعنوان: «مؤامرات الإخوان من واقع ملفات CIA وملفات MI6 منتهى السرية» يشمل كل المزاعم، بداية من أن الإخوان المسلمين عقدوا تحالفا مع أدولف هتلر، حتى القول بأن الجماعة كانت أداة بيد المخابرات المركزية الأمريكية. ولم يؤد خلع مرسي في يوليو 2013 إلى الحد من انتشار مثل هذه النظريات، ولا يخفى أن فكرة الروابط السرية بين الإخوان والقوى الغربية قد أصبحت النغمة المهيمنة على الشؤون السياسية المصرية، وذلك إلى حدٍ ما لأنها زكت نزعة الشك حول النيات الغربية، التي طالما كان يشار إليها في الخطاب القومي العربي، وليس في مصر وحدها. والعجيب أن الإسلاميين المصريين أنفسهم كانت نظرية المؤامرة تسيطر كذلك على نظرتهم للسياسة الأمريكية في الشرق الأوسط، فلطالما رأوا دعْم واشنطن لإسرائيل وللعديد من الحكومات الاستبدادية (ومنها الحكومة المصرية) جزءا لا يتجزأ من تآمر الولاياتالمتحدة لفرض سيطرتها على المنطقة، وبعد الإطاحة بمرسي ترسخ عند الإخوان الاعتقاد بأن الولاياتالمتحدة قد تخلت عن الحكومة الشرعية، ودعمت السلطة الفردية». لولا الغرب لما كان الإخوان استندت كثير من الاتهامات للإخوان على بعض الحقائق المعروفة من الاتصالات التي جرت في الماضي بين الغرب والإخوان المسلمين، وقد انعقدت معظم هذه اللقاءات خلف الأبواب المغلقة، ومن هنا يقدم الكتاب أول تحليل أكاديمي لتلك العلاقة، مترسما تطورها منذ تأسيس الجماعة عام 1928 وصولا إلى الأحداث الممهدة للثورة على مبارك عام 2011. وعلى مدار الأعوام التسعين الماضية، كان الغرب بوصفه مفهوما وحقيقة سياسية نقطة مرجعية حرجة لجماعة الإخوان المسلمين وقادتها، وليس من قبيل المبالغة أن نقول إنه لولا الغرب لما كانت الجماعة، فقد كان للغرب باعتباره المنافس الأساسي أثر بالغ على تشكل هوية جماعة الإخوان، والطريقة التي فهمت بها مهمتها الاجتماعية والسياسية،؛ فقد أسهمت فكرة الغرب ورؤيته إسهاما كبيرا في صياغة أيديولوجية الجماعة؛ ومن ثم فإن ما أصاب رؤية الإخوان حول هذه المسألة من تغييراتٍ، وما بقي منها على حاله، ليكشف كثيرا عن التطور الأوسع للجماعة. فشل غربي فشلت الحكومات الغربية في صياغة سياسات محكمة للتعامل مع الحركات الإسلامية «التشاركية» من شاكلة جماعة الإخوان المسلمين؛ فبدل أن تستقيم مواقف الغرب على منوالٍ واحد، كانت تنشأ وليدة حالةٍ بعينها، وتختلف من مكانٍ إلى آخر. ولفهم علاقات الإخوان بالغرب، يجمع المؤلف بين فهم نظرة المسؤولين الغربيين لجماعة الإخوان، وتصور جماعة الإخوان لهم كذلك محددا مصطلح الغرب بالولاياتِالمتحدة والمملكة المتحدة، معتمدا على مجموعةٍ من المصادر، تشمل تقريبا جميع الوثائق الدبلوماسية أو الاستخباراتية البريطانية والأمريكية التي تتعلق بالإخوان، والتي رفعت عنها السرية وأصبحت متاحة للجمهور، كما استخدم وثائق ويكيليكس، التي تعطي نظرة ثاقبة إلى وجهات النظر الأمريكية المعاصِرة عن الإخوان على امتداد الشرق الأوسط؛ كما اعتمد على منشورات «الإخوان» لرسم صورةٍ شاملة حول رؤية الحركة للغرب. المنشأ وأولى المجابهات تأسست جماعة الإخوان في مارس 1928 على يد حسن البنا (المدرس المصري، 21 عاما)، ومنذ التأسيس امتزج الفكر الديني بمشكلاتِ العالم الدنيوي، ويبدو أن البنا كان على وعي كامل بالحقائق السياسية التي كانت تشهدها مصر في تلك الفترة، فقد ادعى في مذكراته أنه شارك حينما كان لا يزال طالبا في «ثورة 1919» وكان عمره 13 عاما، ورغم صغر سنه شكلت الثورة لحظة تكوينية مهمة في حياته، وأرست في نفسه قناعة بأن «الخدمة الوطنية جهاد مفروض لا مناص منه». وبعد انتقاله للقاهرة شاهد البنا مصر المتطورة بطرقها الجديدة، وخطوط السكك الحديدية والقنوات المائية والتليغراف، والتقدم في الطب والصحة والتوسع العْمراني السريع، وظهور طبقات حضرية ومهنية جديدة، فأصيب بداية بصدمة عميقة، واضطراب شديد جراء الشعور بأن العالم قد انقلب رأسا على عقب؛ فأظهر فعليا في فترة شبابه اهتماما بقضايا الصالح الأخلاقي، فشارك في «جمعية منع المحرمات»، وبدا جليا أن ما شاهده في القاهرة زاده تزمتا، حيث هاله على حد تعبيره «مظاهر الانحراف والبعد عن الأحلاق الإسلامية»، وزادت مخاوفه مع اعتقاده أن إلغاء الزعيم القومي التركي مصطفى كمال أتاتورك للخلافة عام 1924 قد خلق أزمة فكرية وأخلاقية مستشرية. وعلى الرغم من أن منصب الخليفة كان دائما ذا أهمية سياسية رمزية، وليست مباشرة، فقد غضب كثيرون، وثارت النقاشات واحتدمت حول كيفية الرد؛ فمن ناحيةٍ، كان هناك رجال مثل الشيخ علي عبدالرازق الذي سعى في كتابه الأصولي «الإسلام وأصول الحكم» إلى نقد مفهوم الخلافة برمته من حيث كونها مؤسسة حاكمة. ومع ذلك، فقد كان مؤيدو هذه الآراء يعدون على الأصابع، وكانت الأغلبية ترى هذه الآراء مجرد هرْطقة؛ ولذا أقيل عبدالرازق من منصبه في الأزهر عام 1925. ومن ناحيةٍ أخرى كان هناك أشخاص آخرون مثل رشيد رضا الذي نادى بعْودةِ الخلافة تحت قيادةٍ جديدة. وكان البنا، المقرب من رشيد رضا جزءا من هذه النقاشات حول مشروعية الإطار الديني والسياسي الذي عايشه، وقد ربط البنا في مذكراته بين الثورة الكمالية في تركيا والانحدار الأخلاقي الذي رآه ِمْن حوله في القاهرة. وأخذ البنا يضيق ذرعا بهذا التردي الأخالقي؛ نتيجة الاعتقاد أن معظم ما رآه كان له أصول أجنبية، حيث رأى أن الحياة الاجتماعية للأمة المصرية تتأرجح بين إسلامها من ناحيةٍ، والتأثيرات الثقافية «للغزو الغربي العنيف» من ناحيةٍ أخرى. وكذلك رأى أن «معسكر الإلحاد والإباحية» لا يزداد إلا قوة، بينما لا يزال معسكر الإسلام في اضمحلال، وخلص إلى أن المؤسسة الدينية، التي تتمحْور في الأزهر، أخفقت في التصدِي للتحديات التيِ يمثلها «الملاحدة والزنادقة» ولذلك قرر فعل شيء ما. تشكل الإجابة لم يكن البنا يدرك ما عليه فعله حينما تخرج في دار العلوم عام 1927، إذ بدأ وقتها يحاضِر ويكتب عن حالة العالم، لكن حجم نشاطه هذا لم يناسب حجم الأزمة، كما واجه على المستوى الشخصي خيارين: إما أنْ يستكمل دراسته، ربما في الخارج، وإما أن يلتحق بوظيفةٍ حكومية؛ فاختار الوظيفة الحكومية، والتحق بالتدريس، في إحدى المدارس الابتدائية الحكومية في الإسماعيلية، غير أنه لم يكن متحمسا لهذا التعيين في البداية؛ نظرا لأنه لا يعرف شيئا عن المدينة. وبعد محاولة فاشلةٍ لتغيير مكان تعيينه رغم قبوله التكليف غادر القاهرة في سبتمبر 1927، وكان هذا قرارا تاريخيا. كانت الإسماعيلية، موطنا للمقر الرئيس للشركة التي تدير قناة السويس، وقد أورد في مذكراته مدى صدمته من ذاك التباين الذي شهده بين أسلوب حياة أبناء الإسماعيلية وأهلها، وذلك الذي كان يعيشه موظفو شركة قناة السويس الفرنسيون والبريطانيون. وسْرعان ما أدرك أن هذا البلد «تْغِلب عليه النزعة الأوروبية»؛ إذ تحيط به المعسكرات البريطانية من غربيه وتكتنفه «مستعمرة إدارة» شركة قناة السويس من شرقيه، ومعظم أهله يعملون في هاتين الناحيتين. أدى هذا الفهم إلى إدارك البنا أن مصر تواجه أزمة كبيرة؛ وشعر أن الروح الإسلامية هي المخرج، فأطلق «دعوة عامة قوامها العلم والتربية والجهاد»، وبدأ نشرها من خلال محاضرات وخطب مرتجلة، وكانت هذه الدعوة هي التي أدت إلى نشأة الإخوان المسلمين. في السنوات التي أعقبت ذلك مباشرة، أخذ البنا يصقل آراءه الأولية ليأتي بأيديولوجية مميزة توجه نشاط جماعة الإخوان، وكتب في هذا الإطار رسائل كان لزاما على أعضاء الجماعة أن يقرؤوها. وتكشف هذه الرسائل أنه حينما نظر البنا إلى العالم، وجده منقسما بين تيارين حضاريين كبيرين؛ هما «الشرق» و«الغرب.» وفي قلب الشرق كان الإسلام، الذي غالبا ما كان يستخدم مرادفا للشرق، وعلى الصعيد الآخر كان الغرب الذي تجسد بصفة رئيسة في أوروبا. بذلك، تكشف نظرة البنا ما كان هنالك من تفاعل محدود نسبيا بين الولاياتالمتحدة، والشرق الأوسط قبل الحرب العالمية الثانية؛ إذ لم تكن أمريكا خلال ثلاثينيات القرن العشرين ضمن نطاق اهتماماته. وقد كان البنا يرى أن العالم الشرقي المعاصر ضعيف وكان يرى أن الضعف المادي نتيجة حتمية للضعف الروحي. وفي المقابل، فإن الإصلاح الأخلاقي هو السبيل إلى تجديد القوة الإسلامية. الكتاب من جزأين يحتوي كل جزء على 4 فصول الفصول تتسلسل زمنيا يغطي الجزء الأول عصر الهيمنة البريطانية على مصر والشرق الأوسط يبدأ الجزء الأول بنشأة جماعة الإخوان الكتاب يخص بالدراسة أهمية الغرب كفكرة وواقع كان مؤسس الجماعة يعيشه يتناول الكتاب بتعمق أولى المواجهات بين الإخوان والمسؤولين الغربيين يتناول كذلك التطرف المتنامي للجماعة يتناول الجزء الثاني تطور علاقة الإخوان والغرب في عصر الصعود الأمريكي 614 صفحة شكلت الجزء الأول من الكتاب 2018 صدوره باللغة الإنجليزية 2020 ترجم إلى العربية