لا يفتأ الإنسان الطموح يسعى إلى القمة، ويحاول بشتى الوسائل الوصول إليها، وفي سعيه هذا يواجه العديد من المصاعب والمعوقات، وهذا متوقع ومرغوب أيضا، فالطرق السهلة لا تؤدي لوجهات مميزة. ومنذ أن خلق الله الأرض ومن عليها، واستخلف الإنسان فيها، ظهرت الأخلاق المصاحبة للسعي للتميز، ففي قصة الأخوين قابيل وهابيل مثلا ظهر الحسد ليشجع أحد الأخوين على إيذاء أخيه انتقاما من تميزه، فقتل أخاه بدم بارد وعجز حتى عن مواراته في التراب تكفيرا عن ذنبه. جريمة سالت فيها دماء الأخ على يد أخيه بسبب الحسد، فكيف يكون أثره إذن بين من لا تربطهم صلة الدم؟ الحسد بين الأقران وارد، ولكن إمكانية وقوعه لا تعني عدم مكافحته والتعرف على مؤشراته للحد من آثاره. ما الذي يثير شعور الحسد! هل نشعر به عند امتداح غيرنا مثلا، أو عند إعلان أحدهم بسعادة عن إنجاز حققه بعد شهور أو ربما سنوات من الإلحاح في الطلب؟ لو أنصف الحاسد المحسود لفكر في كمية الجهد المبذول للوصول، لعناء التخطيط والتنفيذ وجهد المحاولة، فالإنسان لا يصل لأي هدف إلا عبر تخطيط مطول وتضحيات عظيمة، ومحطات فشل لا يستهان بها كذلك. لكن الحاسد لا يرى ذلك أو ربما لا يريد أن يراه، لأن رؤيته لهذه الحقيقة تكشف سوأة روحه. إن الحسد سوء أدب مع الله أولا، فهو مقسم الأرزاق والمواهب والموفق لثمرات السعي، أليس هو سبحانه القائل (وأن ليس للإنسان إلا ما سعى، وأن سعيه سوف يرى)؟ في هذه الآيات يرسم الخالق سبحانه منهجا للوصول، لا يطالبنا فيه إلا بالسعي الجاد لما نريد، متبوعا بآية توضح أن أهم وسيلة لمكافحة الحسد هي استبدال التفاضل بالتكامل، فلو أدرك أحدنا أنه يحتاج لمهارات قرنائه، مهما بلغ ذكاؤه، ومهما تنوعت قدراته سيسهل عليه الثناء على غيره، وطلب المشورة والاعتراف ببشريته وحاجته للآخر لتحقيق الأهداف وبلوغ المصالح المنشودة وأكثر، بأقل جهد ممكن، ليتشارك الجميع الوصول للقمة والاحتفال.