الحسد جريمة أزلية... منذ أن حسد إبليس سيدنا آدم عليه السلام وكان سببا في خروجه من الجنة، مرورا بقابيل وقتله لأخيه ووصولا إلى يومنا هذا، حيث جرائم الحسد تُرتكب بكثرة وأسوأ من ذي قبل فإبليس أعاذنا الله وإياكم منه صرّح بحسده وكرهه لسيدنا آدم (خلقته من نار وخلقتني من طين) وكذلك فعل قابيل عندما قال لأبيه (ألست أكبر من أخي وأحق بما فعلته له؟) أما الحسد الحالي، فيرتدي ثياب العلم والفضيلة والنقد البنّاء ويدعي الإصلاح والمثالية.. ظاهره الرحمة، وباطنه العذاب! ولا حسد دون غيرة، فالأخيرة هي حطب الأولى وشرارتها القادحة! وتكاد لا تخلو الساحة الشعبية من القادح والمقدوح، بل تكاد تكون مرتعا خصبا لهاتين الصفتين وحامليها من ذوي النقص. قيل للحسن: يا أبا سعيد! أيحسد المؤمن؟ قال: لا أم لك! أنسيت أخوة يوسف؟! هذا معناه أن الحسد طبيعة بشرية، شريطة أن لا يصل حد البغي والظلم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم "إذا حسدت فلا تبغ". والحسد بلا بغي يصبح غبطة تدفع للتنافس الشريف والأخلاقي أما الحسد الباغي فلا يدفع، إنما يؤخر! ومع كل ما في الحسد من سوء وقبح إلا أنه شهادة تقدير لكل مبدع، وكلما كثُر حاسديه كلما علا شأنه وتأكد إبداعه وازداد تميّزه. لهذا رددوا: يا ذا المعا رج لا تنقص لهم عددا! أنا إن تكلمت عن الحسد، فلا أتكلم رحمة بالمحسود وإنما إشفاقا على الحاسد فالمحسود ذو نعمة وأمر صحي أن يكون له حساد أما الحاسد.. فقد يقتله حسده قبل أن يصل إلى المحسود! فلا نعمة قد حاز ولا (طولة عمر) قد جنى أخشى على عمره من (القصف والانقصاف) كمدا! نُهدي للمحسود.. قول روسو: "كلما ارتفع الإنسان، تكاثفت حوله الغيوم والمحن" ونُهدي للحاسد.. قول علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "لله در الحسد ما أعدله! بدأ بصاحبه فقتله!! " وأخيرا لا نقول إلا ما قاله الشاعر ابن المعتز: ما عابني إلا الحسود، وتلك من خير المعايب.. والخير والحساد مقرونان، إن ذهبوا فذاهبْ.. وإذا فقدت الحاسدين، فقدت في الدنيا المطايبْ!