حين أسندت رأسي إلى تلك الوسادة.. بت مختلفة تماماً، حيث كنت على كوكب مختلف وفكر مناقض تماما، وكأنني بعوالم لا تشبه المكان الذي أعيشه اليوم، وبهذه اللحظة تبدد الكثير من الاهتمامات وحلت محلها أمور أكثر جدية، لقد أصبحت أحادث الأيام بهدوء، لقد عملت على تخفيف مرور الساعات بي وتركت مجالا للتأمل، لم أعد أسمح للأيام أن تسيطر علي بالأسى والشجن والتذمر..أو حتى الجموح والسخرية من الوقت.. لقد روضت ذاك الجموح بي. لقد كنا نركض من أجل ماذا؟ والآن نريد أن نبطئ من أجل ماذا؟ الجائحة أربكت مفاهيم كثيرة ارتكزنا عليها.. في لهفة مشحونة نسير بالحياة، حين بدأت الجائحة أصبحت مضطربة شعورياً، وبدوت مثل إبرة في ساعة معطلة تجهل الحراك، وقتها كنا نخبر الآخرين بأننا بخير وأننا نمضي بسلام كاذب كالعادة، حين يجيب الإجابة الصادقة هذا ما اعتقدته لحظتها. يقول أحدهم: لا تنزعج إذا انقلبت حياتك رأسا على عقب، فكيف ستعرف أن الجانب الذي اعتدت عليه أفضل من ذلك الجانب الذي سوف يأتي، حتى عامود الكهرباء المائل بالشارع لم ألحظه، وتلك الشوارع المخضرة والجيران الذين شيدوا بيوتهم من حولنا، كانت الصور كلها جامدة بعقلي، والزميلات اللاتي يعانين، وكل تلك العيون الشاردة لم أقف لها..كل شيء مؤجل وكل شيء متوقف. بدونا للحظة أننا مغيبين في صراع مع الحياة. الحياة لم تشرع الصراع بل الإنسان من أوجد كل ذلك، شمر عن ساعديه هذا كل ما لديه معها! كان الحجر مدوياً نفسياً أحدث شروخاً ومزق أقنعة وأزال كل تلك الأصباغ عن حياتنا، بل حقيقة أخرج أجمل ما بنا على الصعيد الشخصي والعام، واجهت نفسي، كم من الساعات المهدرة للاشيء، حياتي الثائرة على هدوئها.. هل كنت أحتاج كل ذلك... ميزانيتي المتوهجة هدأت قليلا.. بدأت أفكر مليا ماذا كنت أفعل؟! بدأ العالم للحظة يحتضر.. نهايات غير محسومة.. أو واضحة اليوم أفاخر بدولتي بين مناص المتقدمين إنسانيا، أقف شامخة جدا أضاهي أبراج العالم علواً ولا تسألني.. خرجنا من أزمتنا بشهادة وطنية متفردة، علمنا لماذا العالم يقف عاجزاً أمامنا.. تذكرت كلمات الشاعر صاحب السمو خالد الفيصل: ارفع رأسك أنت سعودي.. لا بد أن تدرس هذه الأزمة بمناهج الدراسة.. وقصائد الشعر التي تشيد بها تدون في أدبنا ولنكتب تاريخا جديدا للأجيال القادمة.. معلقة للجائحة لكل يد بيضاء احتضنت الوطن وأبناءه، وسجل لشهداء الأزمة كي يحفظ التاريخ من نحن وكيف تكون الهامات العالية والهمم.. في الأزمات العالمية.. حيث يحكي عن وطن باع كل شيء واشترى أبناءه.. ذلك الإرث الحقيقي الذي يجعل من أبنائه طوق نجاة له بكل زمان ومكان. لن نمرر الأيام هذه دون عناق.. والتحام حرف ومنبر إعلام وساحة معترك.. نحن فرسان الميدان حماة الحرم وأصحاب الرايات لنصبح أرواحا ذات أثر بهذه الزمن، وبكل زمن، وما زرع اليوم يحصد بالغد.. نقوش اليوم خرائط وطن للقادمين من المستقبل.. لا تغفلوا عن أيامكم هذه.. ولادة جديدة وحقيقة لمجتمعنا.. خلعنا عاداتنا القديمة ولبسنا حلة جديدة مفادها من هذه الجائحة إلى القادم بحذر بكل شيء. خطواتنا مدروسة وخططنا كذلك.. علاقاتنا، نعيش حقبة نضج اجتماعي واقتصادي وسياسي.. نحن بين كل هذه في المنتصف.. بين مشرق ومغرب نرتكز، ولن نسمح لظلنا أن يميل بنا أو يخيل لأحد أننا نميل، ففي كل لحظة وفي كل ساعة نزرع بذرة الأمل. أزهروا بأنفسكم.. لا تهملوا لذة اللحظة، عانقوا محطات الفرح.. تذكرت مقولة أبي أطال الله عمره: ساعة البسط لا تفوتك وساعة العمل لا تعجزك، حين انتهى الحجر يصعب علي احتضان أمي وأبي خوفاً عليهما.. عيشوا مع أحبابكم كما يجب.. ليسوا حروف عطف نضعها حين نحتاجها بل اكتشفنا أنهم حروف توكيد لحياتنا وسعادتنا.. توقف صباحا معهم وارتشف قهوتك على مهل وابتسم حين تدخل مقر عملك وصافح كل عطايا الله بحب.. الحقيقة التي توصلنا لها ليس هناك شيء ثابت.. احتفظوا جيداً بأنفسكم ومن حولكم... جف القلم وكلماتي عالقة بنحري......!