هذه آية كريمة وعظيمة من القرآن تحث الإنسان على أن يعامل الناس كلهم، المسلمين منهم وغير المسلمين، بالقول الحسن، والفعل الحسن. وإذ تعضد هذه الآية المفعمة بالإنسانية، آيات كريمات أخر، فثمة أحاديث تعضدها أيضا، من قبيل قول النبي صلى الله عليه وسلم، في حديث أبي ذر ومعاذ:»... وخالق الناس بخلق حسن». الإسلام دين السلام والمحبة والوئام والحب والخير، ولذلك جاء القرآن والأحاديث الصحيحة بندب، بل بإيجاب فعل الخير للناس كلهم، مسلمهم وغير مسلمهم. والبر حسن الخلق، والإثم ما حاك في نفسك وكرهت أن يطلع عليه الناس. والملاحظ هنا أن النصوص المقطوع بها ثبوتا ودلالة جاءت بكلمة «الناس» في الحديث عن البر والإحسان والقسط، وكراهية أن يطلع الآخرون على الفعل القبيح. ذكر الطبري، في تفسيره آية «وقولوا للناس حسنا»، أن عطاء بن أبي رباح قال إن معناها «أن تقول حسنا من القول لكل من لقيت من الناس». وفي سياق مشابه، يأتي قوله تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، أي للناس كلهم، من آمن به ومن لم يؤمن به. أورد الطبري أيضا، في تفسيره هذه الآية، عن ابن عباس أنه قال في قول الله تعالى «وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين»، إنها تعني كل الناس، من آمن بالرسول صلى الله عليه وسلم، ومن لم يؤمن به. فمن آمن به كُتبت له الرحمة في الدنيا والآخرة، ومن لم يؤمن به عوفي مما أصاب الأمم من الخسف والقذف. وعلى نفس المنوال، فسر القرطبي الآية بأن محمدا صلى الله عليه وسلم رحمة لجميع الناس، فمن آمن به وصدق به سَعُد، ومن لم يؤمن به سلم مما لحق الأمم من الخسف والغرق. وممن فسرها من المعاصرين بنفس التفسير، الشيخ عبدالعزيز بن باز رحمه الله تعالى بقوله «.. فرسول الله صلى الله عليه وسلم رحمة للعالمين جميعا، لكن من دخل في الإسلام واستقام على الدين، صارت الرحمة في حقه أكثر وأكمل، ومن لم يدخل في دين الله ناله من الرحمة بقدر ما حصل له من الخير، من غيث وأمن ورزق واسع بأسباب هذه الرسالة». ولقد تكتمل الصورة الزاهية لنظرة الإسلام إلى الآخر غير المسلم عندما نضيف إلى هذه الآيات والآثار قوله تعالى «لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلوكم في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبروهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين». إذ لم يكتف الإسلام، هنا، بالتشديد على الكف عمن لم يقاتلونا، بل أضاف إليه الأمر ببرهم والإقساط إليهم، وهو أعلى درجات العدل. وهكذا، فإن عالمية الإسلام أتت، من ضمن عوامل عدة، من شمول رحمته العالمين كلهم، من اتبع رسالته، ومن لم يتبعها، طالما كان مسالما معطيا البشرية حقها. ولكم يشعر المسلم الذي يود أن يعم السلام والأمن والتعايش الشعوب كلها بالأسى والحزن وهو يرى الجماعات الجهادية، والأحزاب التي تتخذ الدين سلما لطموحاتها، وهي تقدم صورة مشوهة مغايرة للصورة الإنسانية التي قدمها القرآن، وسيرة الرسول الأعظم صلوات الله وسلامه عليه. من يُصِّدق، ونحن نعايش الفكر المتطرف الذي يرسل مفخخيه لتفجير دورالعبادة، أن الرسول صلى الله عليه وسلم أذن لنصارى نجران بأن يؤدوا صلواتهم في مسجده عندما حان وقتها، كما ذكر ذلك ابن كثير وغيره من المؤرخين والمفسرين، إذ قال ابن كثير في (البداية والنهاية) «وذكر ابن إسحاق أنهم (نصارى نجران)، لما دخلوا المسجد النبوي، دخلوا في تجمل وثياب حسان، وقد حانت صلاة العصر، فقاموا يصلون إلى المشرق، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم دعوهم». ثم، ألم يأت القرآن قبل حدث صلاة نصارى نجران في مسجد الرسول، بما يؤكد أن الدفاع عن بيوت العبادة من التدافع المأمور به شرعا، إذ قال تعالى «ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرا»؟ إذ إن الصوامع للنصارى، والبيع لليهود، والمساجد للمسلمين. هذه هو الإسلام الحقيقي، وليس «إسلام» القاعدة وداعش والإخوان وحزب الله وحزب التحرير، وغيرهم ممن ظاهروا على تكريس ظاهرة «الإسلام فوبيا»! نعم هذا هو الإسلام الذي كان الناس في مشارق الأرض ومغاربها يدخلونه أفواجا بعد أن يروه متجسدا في أفعال التجار المسلمين وغيرهم، ممن يفدون إلى ديارهم. ولله الأمر من قبل ومن بعد.