تَقدُّم ونهوض الدول مرتبط بمستوى «الوعي» لدى شعوبها، فهو يعبر عن حالة يكون فيها العقل في إدراك تام، وتتكون خلال علاقة الفرد بمحيطه المادي والاجتماعي. فالوعي يتأثر بعوامل كثيرة، لكن أهمها «التربية، والتعليم»، ومن أنواعه: الوعي «الأخلاقي، السياسي، الحقوقي، الديني، القانوني، الاجتماعي»، وغيره من أشكال الوعي التي لا مجال لطرحها اليوم، ولكن أهمها وأخطرها الوعي الذاتي الذي يكتسبه الفرد منذ طفولته المبكرة، وخلال نوعية تنشئته الاجتماعية، وتأثره بأوامر وتوجيهات والديه، واكتسابه القيم فيما يخص الخير والشر، والحلال والحرام، والحق والباطل، والعدل والظلم. وهذه القيم تُشّكل سُلطةً داخلية مستمرة حتى في غياب والديه، وبعدما يبلغ مراحل متقدمة من عمره. فالفرد يتلقى ثقافته ويتكون وعيه خلال الجماعات التي يرتبط بها، ومن أهمها وأساسها «الأسرة». ويرتبط هذا النوع من الوعي ب»تقدير الذات«ويبرز أكثر في مرحلة الشباب، وفي الأوقات الطارئة، وخلال الأزمات التي تتطلب تكيّفا سلوكيّا وأخلاقيّا لما تفرضه البيئة الخارجية، وهنا تتكشف مظاهر النشاط الأخلاقي، وتحاول الشخصيات الإيجابية إنجاز ما عليها من واجبات اجتماعية ووطنية، تعود بالنفع عليها وعلى منشئها بشكل عام. وإذ إن الوعي لدى الإنسان لا يتوقف بل يتجدد مع تغير وتعدد الظروف الحياتية، وأصبح في متناول يده كثير من وسائل التواصل، خاصة التواصل الاجتماعي وذلك لحرية البثّ عليها، فإنه -بلا شك- لاحظ الغالب منكم سوء الاستخدام لها، وعدم احترام الأنظمة العامة، وإدراك قيمة الخصوصية والسريّة حتى في وقت الأزمات، والإصرار على رفض التجاوب مع التوجيهات الصحية، وتحدّي التعليمات الأمنية، والاتجاه بإصرار للتوثيق الصوتي والمرئي، ونشره عبر قنوات التواصل الاجتماعي، دون اعتبار لما سيواجهونه من عقوبات لاحقة، مما يؤكد أن هناك خللا قويّا في»مستوى الوعي السلوكي«، الذي يؤثر في نمو المنظومة الاجتماعية وبالتالي الوطنية. وخلال هذه الفترة العصيبة لمواجهة جائحة كورونا والحدّ من انتشارها، تكشّف لنا أن مستوى الوعي لدى بعض فئة الشباب بحاجة ماسّة إلى تطبيق العقوبات البديلة الموجهة لتعديل السلوك المرفوض، مع إقرار الغرامات المالية بدلا من القبض والتحقيق والإيقاف فقط. فالوعي الذاتي «السلوكي» مطلب وطني له تأثيره القوي في المنظومة الأمنية والصحية والأخلاقية، ولا بد من تكثيف إطلاق التطبيقات التوعوية التخصصية الموجهة للآباء والأمهات وللشباب أيضا، من خلال مواقع التواصل الأكثر انتشارا، لضمان الوصول إلى مختلف الفئات التي لا تدرك أثر انعدام الوعي بالمسؤولية الفردية والاجتماعية في الجهود والنماذج الإيجابية خلال الأزمات، مهما كان نوعها.