لم تكد تمضي أربعة أشهر على انفجار جائحة كورونا وتفشيها في كل دول العالم حتى كان عدد من قادة دول العالم قد توجهوا بخطابات مباشرة إلى شعوبهم، حرصوا على تضمينها رسائل راوحت بين توصيف الحال، والتأكيد على اتخاذ إجراءات صعبة لمواجهته، وبين التفاؤل والأمل في تخطي آثاره التي ما تزال ترسم خطوطها بعمق في أهم مسارات الحياة الصحية والاقتصادية والاجتماعية وحتى السياسية. احتياج تحتاج الشعوب إلى قادتها وقت الأزمات، ويبدو القادة مطالبين في هذه الأوقات بالإدراك السريع للخطر الذي يواجه مواطنيهم، ومن الضروري أن تكون استجابتهم فعالة، للتعامل مع الموقف ووضع قراراتهم موضع التطبيق، بمجرد وقوع الأزمة دون تأخير. ومن هنا، جاءت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز التي وجهها للسعوديين والمقيمين في هذا الوطن في 19 مارس الماضي، دقيقة في تحديد صعوبة الموقف، متفائلة بالقدرة على التعامل معه، ثم جاءت دعوته وقيادته للاجتماع الافتراضي لقمة العشرين، لتؤكد أن ثقة السعودي بقائده في محلها، وأن رؤية القائد جاءت متماسكة وضحت طبيعة المشكلة وهيأت لرسم الإجراءات اللازمة لمواجهتها. ارتكزت ثقة السعودي بقيادته على أسس عدة متينة، أولها، أن الولاء للقائد أمر عقائدي، ولا يقل عنها أهمية وتغلغلا في النفوس تلمس ما وفرته تلك القيادة من أسباب الحياة الآمنة في جميع المجالات، وطرحها بدائل لكل ضرورة تأثرت بالوباء والإجراءات الاحترازية التي حتمت الحاجة اتخاذها، مما زاد من إيمان السعودي والمقيم في هذا الوطن أكثر بقدرة الأجهزة الحكومية على إدارة الأزمة الحالية، منطلقا من مبدأ «ابق في منزلك وسيصلك كل ما تريد إلى بابك». تغيرات مع التطور التقني الذي يشهده العالم، وانتشار وسائل الإعلام الرسمية، ووسائل التواصل الاجتماعي، لم يعد ممكنا إخفاء الحقائق عن الشعوب، فالزمن تغير، وإذا كان البريطانيون لم يعلموا أن رئيس حكومتهم خلال الحرب العالمية الثانية وينستون تشرشل أصيب بنوبة قلبية خلال تواجده في البيت الأبيض بعد الهجوم على بيرل هاربر عام 1941، فإنه لم يكن من الوارد مطلقا إخفاء إصابة رئيس حكومتهم الحالي بوريس جونسون بفيروس كورونا الجديد. الخوف يعزز الخوف حاجة الناس إلى قائد متمكن يعرف ما عليه فعله، كما أنهم يتضامنون في أوقات الأزمات بشكل أوضح من تضامنهم بعيداً عنها، وهو ما تعكسه الإحصائيات والمؤشرات حالياً، حيث ارتفعت نسب التأييد للقيادات بشكل ملحوظ في أنحاء كثيرة من العالم، بما فيها تلك الموبوءة بشدة. ففي إيطاليا مثلا، وعلى الرغم من الوضع القائم شهد جوزيبي كونتي، زعيم حكومتها الائتلافية الغربية قفزة في معدل تأييده وصلت إلى 70 %، كذلك فإن تقييم دونالد ترمب كان سيهبط بسبب ردود فعله المتهورة، ومع ذلك شهدت الأزمة ارتفاعا في تقييمه وصل إلى 60 %. أيضا لم يكن رئيس كوريا الجنوبي مون جايين أكثر شعبية قبل الجائحة عنه الآن. تأثر كان قطاعا الصحة والاقتصاد هما الأكثر تأثراً بالجائحة، وكان نجاح التعامل معهما هو مقياس الثقة بالقيادات من عدمها، ففي بريطانيا، ذكر الكاتب آندرو راوسلي في صحيفة «الجارديان» أن هناك «شكاوى قوية من أطباء وعاملين في المجال الصحي بشأن نقص حاد في الأدوات الطبية، وخاصة تلك المعدة لحماية الممارسين الصحيين الذين يتعاملون مع المرضى المصابين مباشرة، إلى جانب أن الحكومة لم تحرك ساكنا بهذا الشأن، ولم تتكفل بأي شيء يضمن سلامة العاملين في هذا المجال». ذكرت الكاتبة ليفي تيلمان في مجلة «ويرد» أنه عندما تأكدت إصابتها بالفيروس، ولأن عمرها دون 30 عاما طُلب منها أن تخضع للحجر الصحي الذاتي في منزلها وأن تتصل إذا ساءت الأمور.. تقول ليفي أيضا: «لم أتصور أبدا أنه سيكون هناك نقص في الأدوات الصحية الأساسية مثل مقياس الحرارة ومطهر اليدين والأقنعة في واحدة من أغنى دول العالم هي سويسرا». استعداد في المقابل، أظهرت وزارة الصحة السعودية أقصى درجة من الجاهزية بكافة منشآتها وكادرها الصحي الذي يعمل على مدار الساعة، كما شملت إنسانية خادم الحرمين الشريفين الجميع، حيث وجه بمجانية العلاج للجميع من مواطنين ومقيمين ومخالفين. لم يقف الأمر عند حدود الوطن بل جاوزه إلى الخارج لتعلن منظمة الصحة العالمية على لسان مديرها الدكتور تيودورس أدهانوم أن للمملكة دورا كبيرا في دعم أنشطة المنظمة». مقياس ثقة الشعوب بقياداتها لا تأتي بين ليلة وضحاها، بل تأتي ببناء علاقة تعاون متبادلة بإستراتيجيات تثبت أن الإنسان يأتي أولا بالنسبة للقيادة، وهذا ما لمح إليه أندرو راوسلي في «الجارديان» عندما ذكر في نهاية المقال أنه «سيأتي يوم حساب كبير للمسؤولين حول الوباء وأصوله وانتشاره وكيفية معالجته». ويكمل: «لماذا لم تكن بريطانيا مستعدة بشكل أفضل؟ هل كانت الخدمات الصحية مزودة بما يكفي من الموظفين والأجهزة؟ هل استهانت الحكومة في البداية بالمرض؟ هل كان قرار رئيس الوزراء متأخرا في الأمر بالإغلاق والقرارات الحاسمة الأخرى؟». هذه بعض الأسئلة التي ذكر راوسلي أنها ستشعل التحقيق في نهاية هذه الأزمة. لن يكون هذا هو الحال في بريطانيا فقط، بل في عدد من دول العالم، وخاصة دول الاتحاد الأوروبي التي تركت الإنسان ليكون آخر اهتماماتها، والتي ستشغل منظمات حقوق الإنسان الغربية لمدة طويلة. في ظل الأزمة قادة العالم يتوجهون بخطابات مباشرة لشعوبهم قفزة في تأييد رئيس الحكومة الإيطالية إلى 70 % نسبة تأييد ترمب ترتفع إلى 60 % تساؤلات حول عدم جاهزية الخدمات الصحية في بريطانيا قادة خاطبوا شعوبهم في الأزمة خادم الحرمين الشريفين الرئيس الأمريكي دونالد ترمب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل ملكة بريطانيا إليزابيث الثانية