القبيلة مجتمع سكاني صغير كجزء من منظومة جغرافية، كقرية أو مدينة أو دولة، وتربط بين أفرادها مجموعة من العناصر التي تُؤلف منها وحدة اجتماعية متماسكة، أهمها النسب ووحدة العاطفة والعادات والتقاليد والسلوكيات، والهوية الثقافية والدينية والتراثية، وتوحدها قيم العصبية والمروءة والإنتاج، وبقدر ما تعرضت له القبيلة كمنظومة اجتماعية من ضعف مستمر أمام قيم الحضارة الحديثة، وقوة الدولة المدنية العصرية، إلا أنها ما زالت قادرة على التكيف الاجتماعي مع واقعها بما تسمح لها الظروف من البقاء على بعض عادات الماضي، وتوظيفها في ممارسات الحاضر وعلى بقاء شيء من هيبتها الاجتماعية أمام قوة وسيطرة القانون والعلم والإدارة والمال والمسؤولية الفردية والمواطنة. وتقوم القبيلة على العصبية والمروءة وإدارة الموارد، والتي من خلالها يجد المُنتمي لها أنه محاط بها ومضطر للبقاء تحت مظلة رعايتها، وأن القاسم المشترك بين أركانها هو الفخر والتعاون والعاطفة، وهذه الصفات المشتركة تجدها حاضرة في كل ركن من أركانها، وقد يكون إيجابيا أو سلبيا بحسب الناتج منه، فالافتخار سواء كان بشكلية المنصب أو بتخرج طالب من الجامعة، والتعاون سواء كان في الإسراف على موائد طعام المناسبات أو في دفع الدية لأحد أفرادها، وألم العاطفة في المصاب يُخيم على جميع أفراد القبيلة في موت أو مرض أو خسارة أو ضياع أحد أبنائها، أو بالسعادة والزهو في مواليدها وأفراحها ومكاسب ما يحققه أفرادها. وبظهور فيروس كورونا والاحتياطات التي رافقت منع انتشاره، وشملت إجراءات العزل المنزلي وتعطيل جملة كبيرة من هذه التفاعلات الاجتماعية في الأنشطة المهنية والعلمية والعبادية والثقافية والسياسية والرياضية، وأيضا فرض إلزام منع التجول الجزئي والكلي، فإن جائحة كورونا استطاعت تعطيل أنظمة فاعلية ما تبقى من قيم القبيلة وشلّ وجودها وحركتها واختفاء كيانها الاجتماعي والحاجة العاطفية لها، وإن المسؤولية الفردية والاستقلال فيها والتباعد عن مجتمع القبيلة ومناسباتها من خلال إدارة الأزمة والالتزام بتوجيهات الدولة في التعطيل والحجر بكافة النواحي، أفقدها كثيرا من هيبتها الاجتماعية أمام قوة سيادة وسيطرة الدولة على الأسس الفخرية لوظيفة القبيلة. فالدولة ممثلة في الحكومة سخرت إمكاناتها البشرية والصحية والمالية في إدارة ومواجهة أزمة جائحة كورونا 2020 مبكرا، وتولت أجهزتها المختلفة توفير كافة الخدمات التعويضية والتكميلية للمواطنين والمقيمين في زمن التعطيل، وقامت ببذل جهود استثنائية في إدارة الأزمة والسيطرة عليها من خلال مسارين، الأول إدارة مشاعر الخوف والهلع وبث روح الأمان والطمأنينة لدى المواطنين والمقيمين، والحرص على استقرار مصالحهم وتعويضاتهم المالية والخدمية والمعاشية وعدم وجود النقص فيها، والثاني من خلال الإبداع والتميز في إدارة الخدمات الصحية وشموليتها ورعايتها للمصابين من المواطنين والمقيمين، وأخذ كافة الاحتياطات اللازمة من أجل تطويق الأزمة والخروج منها بأقل الأضرار، من خلال النجاح الباهر في إجراءات الحجر الصحي للأحياء والمدن والمناطق وجهود رجال الأمن في إدارتها. لقد توقفت غالبية الأنشطة الاجتماعية التي تُذكي روح القبيلة وعنفوانها في المجتمع في زمن كورونا، والتي تجعلها حاضرة في نفوس أفرادها، وتُنمي فيهم نفسيا روح الولاء لها، وتجعل من شكلية مناسباتهم وأفراحهم وأتراحهم واجتماعاتهم وعاداتهم وسلوكياتهم محط مراجعة وتقييم لما سبق، وأن الحجر المنزلي الأسري وعدم المخالطة الاجتماعية باتا يحتمان على جميع فئات المجتمع دراسة كافة الأنشطة والعادات والممارسات التي يقوم بها أفراد أي قبيلة، واستبعاد الهامشي والزائف منها بحيادية وموضوعية، وتأكيد أهمية دور الدولة الحضارية والعصرية في بناء أفراد المجتمع على أسس المواطنة الصالحة التي تجعل من قيم العصبية الإيجابية والمروءة الصالحة، وتوزيع ناتج الإيراد على أسس العدل والمساواة والتنمية، وأنه حان الوقت أكثر مما مضى ليكون زمن كورونا فاصلا بين مرحلتين، وأن الثمن الباهظ الذي دفعته الدولة والمجتمع إزاء جائحة كورونا سيكون بمثابة التحول الإستراتيجي الشامل لاستثمار الأزمات تجاه التغيير نحو الأفضل في كل المجالات وإعادة مفهوم القبيلة أولا.