مريضة في وسط المركز الصحي تصرخ: أعطوني إبر الحديد غصب عنكم! قال لها الطبيب: «ممنوع» نظاما وطبا أن تعطى إبر الحديد في المراكز الصحية، وسانده مدير مناوب وقد جلب قرار الوزارة بهذا الصدد الذي بيّن بدوره ما لحقن الحديد في الجسم من خطورة تتوجب وجود المريض في مستشفى وتحت أجهزة وعناية معينة. وفي صورة أخرى هنا تصرخ الممرضة: دكتور في مريض مخنوق، يتوجه الطبيب لغرفة الطوارئ المعدة في المراكز الصحية «ولا أعلم كيف سميت غرفة طوارئ؟!» المهم يتجه وإذا هو بمريض يشكو من Larengeal Edema مشكلة في الحنجرة خطيرة منتشرة لا يمكن علاجها في المركز الصحي، من عواقبها توقف التنفس كليا! وممرضة أخرى تبكي وإذ بمريضها «ميت» وعند الكشف عليه يتبين أنه قد مات منذ ما يربو على خمس ساعات وهو في منزله، رحمه الله. صور كثيرة متنوعة تجتمع دلالة على أمر واحد، وهو أن المجتمع لا يعرف كثيرا عن الخدمات الحكومية بمختلف مجالاتها، كيف تؤدى وأين يمكن أن يجدها. ومن حيثيات هذا الأمر تظهر لنا دلالة أكبر على تقصير القطاعات إعلاميا، وهنا نخص تقصير دور وزارة الصحة الإعلامي في «تعليم وتثقيف» الناس بهذه الأمور. ولعلي أعطيك أخي القارئ جرعة تثقيفية تهمك ألا وهي أن مراكز الرعاية الصحية الأولية -وإن كانت تعمل ليلا- فهي تبقى مراكز «أولية»، وهذا معناه أنه ليس من تخصصها ولا من شأنها علاج الحالات التي يعالجها المستشفى، ليس لأن الأطباء لا يجيدون هذا المجال فقط، وأنه ليس من اختصاصهم، فالطب «مليون» تخصص، وليس فقط لأن المراكز الصحية غير مجهزة لعلاج هذه الحالات، وهذا لا يعيبها، ولكن أيضا لأن مراكز الرعاية الصحية الأولية لم تنشأ إلا للوقاية أولا ثم لعلاج الحالات «الباردة» ثانيا. ولك عزيزي القارئ أن تطلع على الشبكة العنكبوتية ما الحالات الباردة؟، وستجد تصنيفا يصل إلى خمس درجات: وسأسميها لك للتبسيط: فورية كالجلطات، وطارئة كحوادث السيارات، وعادية كالمغص الكلوي، وأخيرا -وهذه فقط اختصاص المركز الصحي وهي الأعم- اختيارية أو باردة كالتهاب اللوزتين بحرارة أو بدون، والنزلة المعوية، والرشح، والتواء الكاحل... إلخ. ختاما، فالأمر أحد خيارين، إما أن يقوم القطاع الإعلامي بوزارة الصحة بدوره كما يجب، أو أن يتم توفير طبيب طوارئ في عيادة طوارئ «حقيقية» في كل مركز صحي، وهذا يتطلب أن تقوم الهيئة السعودية للتخصصات الصحية بإزالة الحواجز الأسمنتية التي تضعها في طرق الأطباء الذين يودون مواصلة دراساتهم العليا في هذا المجال وغيره، لنستطيع أن نقول للإعلام: نسبة 70 % من أطباء أقسام الطوارئ ليسوا أطباء طوارئ خرافة، والحق أنها لا تزال حقيقة، فهل سنحول الخرافة إلى حقيقة يا هيئة التخصصات الصحية؟! ودمتم بصحة.