823.9 ريالا فارقا سعريا بين أسعار الغرف الفندقية بالمملكة    347 مليون ريال لمشاريع صناعية في الأحساء    ولي العهد ورئيسة وزراء إيطاليا يبحثان القضايا الإقليمية والدولية    هل تتعرض أمريكا للهجرة العكسية    ربط حي السفارات بشبكة النقل العام عبر حافلات الرياض    الاتحاد بطلًا للدوري الممتاز لكرة السلة    جمعية «صواب» تطلق مشروع «العزيمة» للتعافي من الإدمان بجازان    اختصاصي شؤون طلابية: احموا المدارس من العدوى    الهجمات الأمريكية استهدفت منازل قياديين حوثيين في صنعاء    جبل أم القصص وبئر الصداقة!    فتاوى الحوثيين تصدم اليمنيين    جهود مستمرة للمفاوضات في مواجهة الانتهاكات الإسرائيلية للهدنة    انفجار العماليق الكبار    إطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية" بالواجهة البحرية بالدمام    وغابت الابتسامة    موعد مباراة الأهلي القادمة بعد الخسارة أمام الأخدود    جيسوس: هدفنا الاستفادة من فترة التوقف    الأولمبياد الخاص السعودي يختتم مشاركته في الألعاب العالمية الشتوية للأولمبياد الخاص تورين 2025    الاقتصاد السعودي يتجاوز مرحلة الانكماش بنمو 1.3% في عام 2024    الذهب يكسر حاجز ثلاثة آلاف دولار لأول مرة في موجة صعود تاريخية    جمعية "شفيعاً" تنظّم رحلة عمرة مجانية لذوي الإعاقة والمرضى وكبار السن والفئات الاجتماعية برفقة أهاليهم    انطلاق مبادرة "بسطة خير ".. لتمكين الباعة الجائلين في جميع مناطق المملكة    مؤسسة العنود تعقد ندوة «الأمير محمد بن فهد: المآثر والإرث»    بدعم المملكة.. غينيا تحتفي بالفائزين في مسابقة القرآن    مسجد الجامع في ضباء ينضم للمرحلة الثانية لمشروع الأمير محمد بن سلمان ضباء - واس ضمّت المرحلة الثانية لمشروع الأمير محمد بن سلمان لتطوير المساجد التاريخية مسجد الجامع في مدينة ضباء بمنطقة تبوك، نظرًا لكونه أحد أقدم المساجد التاريخية ورمزًا تراثيًا في ا    مراكيز الأحياء.. أيقونة رمضانية تجذب أهالي جازان    كعب أخيل الأصالة والاستقلال الحضاري 1-2    دعم مبادرات السلام    سفيرة المملكة في فنلندا تدشن برنامج خادم الحرمين لتوزيع التمور    الأذان.. تنوعت الأصوات فيه وتوحدت المعاني    خلافة هشام بن عبدالملك    ملامح السياسة الخارجية السعودية تجاه سورية    الصحة تجدد التزامها بحماية حقوق المرضى    مستشفى الدكتور سليمان الحبيب بالتخصصي يستأصل ورماً كبيراً بمحجر العين بعملية منظار متقدمة    القسوة ملامح ضعف متخف    محمد السندي يُرزق بمولود أسماه "عبدالمحسن"    الأخضر يستعد للتنين بالأسماء الواعدة    ودية تعيد نجم الاتحاد للملاعب    «سلمان للإغاثة» يوزّع 1.390 سلة غذائية في محافظتين بالصومال    273 طالب في حلقات تحفيظ القرآن بالمجاردة    الدفاع المدني يكثف جولاته بالمدينة المنورة    1200 حالة ضبط بالمنافذ الجمركية خلال أسبوع    تركي بن محمد بن فهد يطلق عددًا من المبادرات الإنسانية والتنموية    2 مليار خطوة في 5 أيام    حكاية كلمة: ثلاثون حكاية يومية طوال شهر رمضان المبارك . كلمة : بئير    أبرز العادات الرمضانية في بعض الدول العربية والإسلامية.. فلسطين    من العقيدة إلى التجربة.. قراءة في أنسنة الدين    طويق جازان في مبادرة إفطار مرابط بالحد الجنوبي    برنامج "نظرة إعلامية" يستضيف إعلاميين مؤثرين في مهرجان ليالي كفو بالأحساء    إطلاق 16 كائنًا فطريًا في محميات العلا    تحقيق أممي: الاحتلال يرتكب جرائم إبادة جماعية بحق الفلسطينيين    وفاة الأميرة نورة بنت بندر آل سعود    أمانة القصيم تُعلن جاهزيتها لانطلاق مبادرة "بسطة خير السعودية"    نائب أمير منطقة مكة يرأس اجتماع لجنة الحج المركزية    نائب أمير منطقة مكة يستقبل رئيس المحكمة الجزائية بجدة    عَلَم التوحيد    مباحثات جدة الإيجابية "اختراق كبير" في الأزمة الروسية الأوكرانية    فرع هيئة الصحفيين بجازان يحتفي بيوم العلم السعودي بالتعاون مع فندق جازان ان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



نحن جيل ضائع
نشر في الوطن يوم 20 - 02 - 2020

كانت الأمور في الجيل الماضي، بسيطة وواضحة، سواء في الوسائل أو الغايات. كانت الدولة مهما ارتدت من ثياب الديموقراطية الغربية ليست أكثر من جهاز القهر الملكي الاستعماري البرجوازي. وكانت الثقافة في خطها العام مجرد «رد فعل» للحضارة الأوروبية من ناحية، وللتراث العربي من الناحية الأخرى. وكانت الأحلام الفكرية للأجيال الثلاثة السابقة على حركة يوليو 52 لا تكاد تتجاوز الحلم الليبرالي عند جيل الرواد والحلم الاشتراكي الديمقراطي عند الجيل الذي يليه، والحلم الماركسي عند الجيل السابق علينا مباشرة. وهي في مجموعها أحلام الثقافة الأوروبية، كرد فعل للتخلف الحضاري المرعب. وانعدام التقاليد الديمقراطية في أسلوب الحكم. وقد مضت في خط سيرها، جنبا إلى جنب مع الأحلام اليمينية المتطرفة كرد فعل مذعور أمام الحضارة الوافدة. على أن الأحلام الفكرية عموما، يسارا أو يمينا، لم تكن مرد ردود أفعال تلقائية عند بعض الأفراد المثقفين، وإنما كانت قبل ذلك وبعده تجسيدا عميق الدلالة لآمال الطبقات المهيمنة على السلطة، أو الطبقات المقهورة. وهذا ما يمنحها صفة الأصالة، بجانب استيرادها هذا الفكر أو ذاك من هنا وهناك.. فليست القضية كسلا عقليا دفع بفريق ناحية الفكر الغربي وبفريق آخر ناحية التراث، وإنما كانت هناك هوة عمرها حوالي ألف سنة تفصل بين قمة ازدهار الحضارة العربية وبين اقتحام الحضارة الحديثة لكياننا الروحي والمادي على حد سواء، وقد تسببت هذه الهوة الغائرة بظلمتها في وجداننا أن يتلمس مثقفونا الأوائل ركائز رفضهم أو قبولهم للحضارة الجديدة في أقرب وسائل الإنقاذ. وكانت الثقافة الأوروبية هي الوسيلة المثلى لمن تقبل هذه الحضارة، وكانت الثقافة العربية هي الوسيلة المثلى كذلك لمن رفضها.
ولم يكن ذلك يتم بمعزل عن العصر الذي عاشوا فيه. وهو العصر الذي شهد حربين عالميتين اختتمتا بتفجير الذرة، كما شهد ميلاد أول ثورة اشتراكية ناجحة في التاريخ، وانبثاق نظام اشتراكي عالمي. أي أنه العصر الذي حقق انتصارا حاسما ضد أعداء الديمقراطية. وذلك عن طريقين: أحدهما الطريق البرجوازي التقليدي. والآخر هو الطريق الاشتراكي الجديد.
وقد انعكس هذا الصراع بالضرورة على خريطة الأحلام المصرية انعكاسا واضحا لا لبس فيه.
ولو أننا أمسكنا بالاتجاه «المتقدم، على طول تاريخنا الأدبي الحديث فاليمين المصري لم يقدم إنجازات يعتد بها في هذا الميدان فإننا نلاحظ تطورا طبيعيا وخطأ منطقيا يبدأه جيل الرواد بالفكرة الديموقراطية التي تمتد عنها الفكرة الاشتراكية الديمقراطية عند الجيل الأوسط، حيث يؤدي بدوره إلى الفكرة الماركسية عند الجيل الثالث. ولا يعني ذلك أن «التطور، كان يمضي هكذا في خط مستقيم وبصورة تلقائية، فقد نجد بذورا لإحدى المراحل في أحشاء مرحلة سبقتها ولكنها لم تزدهر وتصبح تيارا، لا استثناءات فردية إلا في زمن لاحق. على أن هذا لا ينفي أن كل جيل كانت له محطة وصول كما كانت له نقطة انطلاق، ويكاد أن يكون متوسط عمر الجيل الأدبي في مصر عشر سنوات، بالرغم من كل ما يمكن إحصاؤه من تعرجات ومحفظات، فجيل منتصف العشرينات الذي يعد «الديوان» و«في الشعر الجاهلي» و«اليوم والغد» ثمرته الأولى قد ألقى مراسيه الفكرية في منتصف الثلاثينات، وكانت معاهدة 36 بالنسبة له بمثابة تاريخ النهاية. وكذلك جيل منتصف الثلاثينات بلغ ذروة تقدمه في منتصف الأربعينات أو حواليها كما تدل مؤلفات «النقد المنهجي عند العرب» و«الميزان الجديد» و«بلوتلاند» و«في الأدب الإنجليزي»، ولا يختلف الأمر عند جيل منتصف الاربعينات الذي كان عام 46 هو شهادة ميلاده، فقد عرف قمة ازدهاره عام 56 قبلها بقليل وبعدها بقليل في «الناس اللي تحت» و«الأرض»، و«أرخص ليالي» «والناس في بلادي» و«في الثقافة المصرية»، وقد كانت الملاحظة الرئيسية على هذه الأجيال هي أنها في تطورها الفكري تكاد تلتزم بخط تصاعدي، وأنها في تطورها الزمني تكاد تلتزم بحلقة السنوات العشر، وأنها وهذا هو الأهم ترتكز دائما على منهج متكامل ونظرية متماسكة.
فسواء أكانت الفكرة ليبرالية أو اشتراكية ديمقراطية أو ماركسية، فإنها منقولة ومؤصلة - معا وفي وقت واحد- عن بناء فكري مترابط ومتسق ومنطقي إلى أبعد حد، وكان الزمن المحلي والعالمي يتجاوز بعنفه وضراوته مختلف الأبنية والأفكار.
فتتزعزع أركان هذه النظرية أو تلك، وتقتلع رياح التطور جيلا من الأجيال من موقعه الرائد للحركة الاجتماعية، لتحل مكانه جيلا آخر أكثر قدرة على الريادة، سواء باستجابته للتغير الاجتماعي أو بقناعة فكرية خاصة لمنطق التاريخ. وهكذا كان يحدث ما نسميه بنقاط التحول التاريخية، فيصبح الرائد التقدمي محافظا، ويولد من أعماق الصراع الاجتماعي جيل جديد، لا يلبث أن يتحول بدوره إلى جيل حافظ وهكذا. ولا ضرورة للتخطيط باللون الأحمر تحت الشذوذات الفردية على هذا القانون العام.
* 1969
غالي شكري
كاتب وناقد مصري (1935-1998)


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.