في خط رجعته من عمله في أحد الدوائر الحكومية إلى منزله الواقع في أحد أحياء حفر الباطن، يعود عبد الكريم بذاكرته إلى سنين خلت كان فيها بلا مستقبل ينتظره بعد فراغه من الثانوية العامة أو هكذا ظن في ذلك الوقت، حيث كان حينها أحد حملة بطاقة القبائل النازحة من الدول المجاورة الصادرة من وزارة الداخلية. وكان لا يمتلك الكثير من الحقوق على خلفية الهوية التي يكتسبها وضعه القانوني، والذي كان يشمل الآلاف من القبائل النازحة، فكان يعلم أنه لن يستطيع الانخراط في أي جامعة حكومية بعد انتهائه من الدراسة في المرحلة الثانوية، ناهيك عن إيجاد وظيفة حكومية، فكان يكتفي حينها بمتابعة نظرائه في الحي وهم يذهبون غرباً وشمالاً لمستقبل جديد، فيما تقصر خطاه عن أي أحلام حقيقية، فهو أسير واقع يجعل أقصى طموحه بائعاً في محل للخضار أو سائقاً لشاحنة نقل صغيرة. كان عبد الكريم مثل البقية من أبناء القبائل النازحة الذين لم يأبه أهلهم من البدو بتسجيل أنفسهم مدنياً، فكان أن حرموا أنفسهم وأبناءهم من الحقوق مع تطور المجتمع واتجاهه إلى التمدن بمرور الوقت، ليجد عبد الكريم وأقرانه أنهم أصبحوا يواجهون المزيد من الصعوبات مع تقدمهم إلى مراحل عمرية أكبر، إلا أن تلك الحسابات التي غلفت تفكير هؤلاء لم يطل بها الزمن، حيث كان هناك من ينظر لهم باهتمام ويعنى بحل جذري لمشكلتهم، ومن عساه يكون غير رجل الداخلية الأول نايف بن عبد العزيز الذي تصدى لملف القبائل النازحة ليقرر أن يكون التجنيس لهذه القبائل العربية هو الحل، لكثير من الأسباب؛ منها ولاؤهم المطلق لولاة الأمر، والتزامهم طوال عقود بسلمية العيش، وتشكل أجيال جديدة منهم لا تعلم غير المملكة وطناً، فكان أن رفع ذلك إلى المقام السامي الذي أمر بمنحهم الجنسية السعودية، وهكذا كان للفقيد بصمته التي صارت تاريخاً لا ينسى في سجلات تلك القبائل التي حفظت الود بمثله فحملت في قلوبها الكثير من الحب للفقيد، وعند موته كان سيل الدعوات له جارفاً، تدعو له بالرحمة وخير الجزاء على ما فعل. ولعلنا نترك عبد الكريم يتحدث هنا، فهو يستطيع أن يفسر تلك العلاقة بكلماته حيث يقول: رحم الله نايف، نعم إنه مات والحزن كبير لفقدانه، ولكن مهلاً، لقد فعل من جبال الخير والمعروف ما سيجده أمامه، أنا أعلم وأحس بقيمة ما قدمه لنا، ونحن غيض من فيض ما فعل في حياته رحمه الله، فتخيل كل ذلك يجده أمامه بحضرة رب كريم رحيم، هو كما يقول الإمام الشافعي: "وأفضل الناس ما بين الورى رجلاً تقضى على يده للناس حاجات.. قد مات قوم وما ماتت مكارمهم وعاش قوم وهم في الناس أموات" فكم من حاجة تصدى لها نايف، وكم من صعب يسهل معه، أفنى حياته بتذليل الصعاب فلم يكن إلا لين الجانب لمن طلب حاجة منه، وهكذا كانت حياته ، اللهم ارحمه على كل ما فعله لنا ولكل مسلم، فإنه نعم ولي الأمر كان.