من يعرف حقيقة دين الإسلام يعرف أنه يقف موقفا إيجابيا من أجل خير الناس أجمعين، ومن أجل إدخال السعادة لقلوبهم، وأنه متسامح إلى منتهى التسامح مع كل البشر، بمختلف أديانهم ومللهم، من أجل أن يعيش الكل في عالم يسوده السلام التام. الإسلام في حقيقته يؤمن بوحدة الدين، وهذا بنص محكم التنزيل: {شرع لكم من الدين ما وصى به نوحا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه كبر على المشركين ما تدعوهم إليه الله يجتبي إليه من يشاء ويهدي إليه من ينيب}؛ وهذه الوحدة لا تمنع بأي شكل من الأشكال أن تكون هناك عدة صور للدين، وهذا كذلك بنص القرآن الكريم: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون}. ليس لدى عقلاء علماء المسلمين ودعاتهم ومثقفيهم ومفكريهم شك في أن تعدديات الأديان والحضارات ترجع لدين واحد؛ جاءت به رسالات متعددة، هدفها هداية الناس، والارتقاء بحياتهم، وإيقاظ الكوامن البشرية التي تمكنهم من إعمار الأرض، والاتصال بخالقهم سبحانه وتعالى، من خلال العناصر المشتركة بين الناس، وعلى رأسها أن الإله واحد، وأن القيم الأخلاقية متشابهة جدا، وهذا هو باب أمنهم وسعادتهم، {إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون}. المعول اليوم في هذا الصدد هو على دعم الجهود الهادفة لتحقيق التضامن بين أهل الأديان، والتقريب بينهم، والتعاون من أجل خيرية الناس؛ أما الانعزال، وعدم مشاركة الناس، فلن يزيد الكون إلا تعاسة وشقاقا، والمسلمون مطالبون قبل غيرهم بتحمل مسؤولياتهم في تحقيق الأهداف النبيلة، التي يفرضها عليهم وجودهم الإنساني، وهذه المسؤولية لن يتحملها غيرهم عنهم؛ فمن لم يعدل مع غيره، لن يعدل غيره معه، ومن يتنكر لغيره، سينكره غيره. المسؤوليات والالتزامات الكونية رسمها للناس سيدهم، صلى الله عليه وسلم، في الحديث المشهور: «ألا كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته، فالأمير الذي على الناس راع، وهو مسؤول عن رعيته، والرجل راع على أهل بيته، وهو مسؤول عنهم، والمرأة راعية على بيت بعلها وولده، وهي مسؤولة عنهم، والعبد راع على مال سيده وهو مسؤول عنه، ألا فكلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته»، فكل واحد وبحسب موقعه، وبحسب حدود نطاقه عليه عدم التنصل من أدواره التضامنية، التي تبدأ من البيت، وتمتد لكل الناس.