يحدث أن تتعارض سياسة البلاد مع توجهات الأفراد، هذه أمور تحدث. يحدث أن يفكر القائد بطريقة مختلفة عن الشعب، فتحدث حالة من عدم أو قلة الرضا بين عموم الناس، تماما كما حدث مع الرسول -صلى الله عليه وسلم- عندما ارتضى صلح الحديبية وأحجم عن دخول مكة في ذلك العام، رغم الشعور العارم الذي كان يجتاح الصحابة بأنهم قادرون تماما على اقتحامها ذلك العام، وليس هناك ما يضطرهم إلى التأجيل للعام التالي. القائد يرى ما لا يراه عموم الناس، إنه يقع تحت ضغوط لا نشعر نحن بها، ويعيش ظروفا لا نعيشها نحن، ويحسب حساب ما لا نأخذه في الاعتبار. قد نظن أن الصحابة أذعنوا لأمر النبي -صلى الله عليه وسلم- لإيمانهم أن الأمر وحي يوحى وليس اجتهادا من النبي، صلى الله عليه وسلم، لكن لو كان الأمر كذلك لما سادت حالة من عدم الرضا بين الصحابة بعد أن علموا بالأمر، علما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- شاورهم من قبل في بدر وأحد والخندق، وأخذ برأيهم لأنه لم يكن مخالفا لتوجهه ورؤيته الخاصة، أما في صلح الحديبية فأنفذ أمره غير مبال بالآراء المخالفة، لأنه كان يرى ما لا يرون، ليس لأنه نبي فقط، ولكن لأنه قائد. قائد يعلم القادة فن القيادة التي تتطلب أن أسير مع توجهات الجماهير إذا كانت لا تتعارض مع المصالح العليا، وتتجاهلها في حال كانت قاصرة عن رؤية المصالح العامة والخاصة. وإذا كان ذلك قد حدث في الجيل الذهبي على امتداد تاريخ البشرية الطويل على الأرض، فحدوثه في كل زمن أمر طبيعي وفي غاية الاعتيادية. تجتهد وسائل إعلام مختلفة -معلومة ومجهولة المصدر- في تأليب الشارع السعودي على سياسة قادته طمعا في إحداث شرخ في العلاقة بين الدولة والشعب، يحدث ذلك بصورة منظمة حينا وعشوائية حينا آخر، وهي تستهدف الطبقات الأقل تعليما وثقافة في المجتمع، ومن علاماتها أن لا تكل ولا تمل من ترديد نفس الكلمات والشعارات ومضغ الأخبار نفسها واجترار الأحداث ذاتها التي حدثت قبل عام وعامين وعشرة أعوام. حسنا أيها الشعب السعودي العظيم: بلادنا لن تكون في قادم الأيام كما كانت في سالفها، الأحداث تتغير والكوكب يدور، والشمس تحمل كل يوم رسائل قد لا نحسن نحن قراءتها، هناك من يقرؤها ويعمل بمقتضاها. إذا رأيتم بلادكم لا تسير في المسار الذي يعجبكم، لا تجعلوا ذلك يقلقكم، ثقوا بالله الذي جعل هذا البلد آمنا، وادعموا قيادتكم. أحبوا السعودية على كل حال. إذا كنت ترى أنك تستحق مكانا أفضل من المكان الذي تشغله، أو تستحق وظيفة أنسب من وظيفتك، أو أنك لم تجد الفرصة الكافية لتخدم وطنك، لا تجعل ذلك سببا لتقاعسك عن حب وطنك، وخدمته، من أي مكان وبأي طريقة. أيها الشرفاء: لا تكفوا عن حب السعودية، حبوها على كل حال، واخدموها على كل حال، وارفعوا اسمها عاليا على كل حال، وادعوا لها على كل حال أن تبقى جوهرة العالم التي يكاد اسمها يضيء رغم ما تمر به في هذه الفترة من تكالب الأعداء وتحالف الأنداد وتداخل الحروب وتوالي الأحداث. لنبق معا حتى تجتاز بلادنا أزماتها الكبرى، فقد حان دورنا للذود عن حياضها، والفتك بأعدائها وكارهيها ومبغضيها دون هوادة أو رحمة. لننس كل شيء. ولنبق سعوديين على كل حال.