مصطلح «أجيج النار» Gaslighting ظهرَ بعد فليم قديم في عام 1938، وبدأ هذا المصطلح في الانتشار بشكل أوسع في عام 1944. في قصة الفيلم يتلاعب الزوج بزوجته «يؤججها» ليجعلها تعتقد أنها فقدت شعورها بالواقع حتى يضعها في مستشفى نفسي ويسرق ميراثها. في معجم المعاني «تأجيج» من كلمة أَجِيجٌ ومصدرها أجَّ، وهو تفاعل كيميائي شديد، يولد حرارةً أو ضوءاً أو كليهما، ولكنه لا يحدث بسرعة تكفي لإحداث انفجار. التأجيج الآن هو مصطلح نفسي، وهو شكل خبيث من أشكال الإساءة النفسية والعاطفية، فمن خلاله يقوم المُعتدي بتقديم معلومات خاطئة للضحية، بهدف تشكيك ثقة الضحية في ذاكرته وإدراكه، ويجعل الضحية يشكك في حواسه التي كان يعتمد عليها طوال حياته، ما يجعله غير متأكد من أي شيء. من ضمن أسباب استخدام التأجيج هو جعل الضحية يؤمن بكل ما يخبره المُعتدي بغض النظر عن تجارب الضحية في المواقف التي يمر بها، ولإخفاء حقائق لا يرغب فيها المعتدي أن يدركها الضحية، ولكسب القوة. التأجيج منتشر في كثيرٍ من البيئات مثل: المدارس وبيئات العمل والمحاكم وبشكل خاص ما بين الأزواج، وفي العلاقات من قبل المُعتديين والمتنمرين والديكتاتوريين والنرجسيين والقادة. للأسف التأجيج هو فعّال أكثر مما تعتقد، ولا يكون دائمًا واضحًا للضحية؛ لأنه يتم بطرق خفية جدًا وبشكل بطيء حتى لا يُدرك الضحية أي شيء، وقد يكون المُعتدي من أي جنس، ولا ينحصر فقط على الرجال. هناك الكثير من تقنيات التأجيج التي تُستخدم من قبل المُعتديين، وبعض منها يصعب على الضحية التعرف عليها أو تمييزها في الموقف. هنا بعض تقنيات التأجيج: (1) تقنية الحجب: من خلالها يتظاهر المُعتدي بعدم فهمه، ويرفض أن يشارك الضحية عواطفه ويرفض الاستماع له، فمثلاً أن يقول المُعتدي: «ما أبغى أسمع خرابيطك مرة ثانية» أو «انت تحاول أن تحيرني وتشوش علي المواضيع». (2) تقنية المعارضة: من خلالها يشكك المُعتدي في ذاكرة الضحية بالرغم أن الضحية تذكرت الأشياء بشكل صحيح، فمثلاً أن يقول المُعتدي: «تتذكرين لما نسيتي وما تذكرتي بعض الأشياء آخر مرة؟»، و «آخر مرة كنتِ تعتقدي أنك صح بس طلعتِ غلطانة». (3) تقنية الحظر والتحويل: تقنية يغير فيها المعتدي الموضوع، ويبدأ يشكك في أفكار الضحية ليتحكم في المحادثة، فمثلاً أن يقول المُعتدي: «كيف تفكرين بأفكار مجنونة مثل كذا؟» أو «انت دائمًا تتعمد أن تجرحني» أو «اسكتي يا ......». (4) تقنية التفاهة: هي وسيلة يجعل فيها الضحية يعتقد أن أفكاره أو احتياجاته ليست مهمة، فمثلاً أن يقول المُعتدي: «تبغين تخلين هذا الموضوع يدخل بينا؟». (5) تقنية النسيان والنكران: من خلالها يدّعي المُعتدي أنه نسي الأشياء التي حدثت بالفعل أو ينكرها مثل: وعود مهمة أوعدَ الضحية بها، فمثلاً يقول المُعتدي: «عن ايش تتكلمين؟!» أو «انت جالس تألف قصص ما صارت»، عندها يبدأ المُعتدي في تشكيك الضحية في خبراته وأفكاره وآرائه بشكل عام، مثل أن يقول المُعتدي: «خيالك واسع وتتوهمي أشياء كثيرة». وبعض المؤججين «المُعتدين» يسخرون من الضحية بسبب أخطائهم وتصوراتهم الخاطئة «أي ما جعلوهم يعتقدون بذلك». هذه التقنيات تجعل الضحية لا يفكر في الموضوع المطروح، وبدلًا من ذلك يجعله يركز على ذاته ويشكك في دوافعه وتصوراته. مع مرور الوقت لا يطرح الضحية أي موضوع خوفًا من أن يكون مخطئًا أو لا يتذكر المواقف بشكل صحيح. كلما ثقفت نفسك عن التأجيج وتقنياته كلما تمكنت من التعرف عليها بسرعة عندما تحدث لك لتتجنب الوقوع في فخها.