يتهم أعداء الإسلام لغته الفصحى بأنها لغة بداوة لا تصلح لأن تكون لغة الحضارة، وزعموا أنها قاصرة لا تستوعب ما جد من العلوم والفنون وألفاظ الحضارة! وكل هذه التهم التي اتهموا بها الفصحى تهم باطلة، فالعربية لم تضق في ماضيها عن كل جديد، بل استقبلته واتسعت لكل ما وفد إليها أو لكل ما كانت في حاجة إليه. فمنذ العصر الجاهلي نجد في لغته العالية مئات الكلمات الدخيلة المعربة، حتى القرآن الكريم حجة العربية حوى عشرات الكلمات المعربة، وكذلك أحاديث رسول الإسلام محمد، عليه الصلاة والسلام. فإذا لم يضق عرب الجاهلية، وهم الذين يحتج بلغتهم بالمعربات وأدخلوها في صميم لغتهم، فذلك دليل مرونة العربية، وهي مرونة أصيلة فيها، ولكن ليس معنى المرونة أن تفقد اللغة شخصيتها وسماتها وإنما اتساعها للجديد. والإسلام لم يحرم في مجال اللغة أي جديد يحتاج إليه أهلها، بل أحل ذلك بدليل وجود عشرات الكلمات المعربة في كتاب الله ومئاتها في الحديث الشريف ولغة عصر الصحابة الكرام. والإسلام نفسه أعظم دليل على مرونة العربية وسعتها فقد جاء بكل جديد على العرب وعلى العالم، بل هو نفسه جديد في كل شيء. نزل القرآن بلغة العرب فكرمها ورفع من شأنها وأمدها بحياة خالدة، ووهب لها الصحة الدائمة، ونفى عنها كل سقم وعصمها من كل داء ومنه العقم. وكانت لغة رسول الإسلام وخير الخلق وخاتم الأنبياء محمد -عليه الصلاة والسلام- العربية، فأكسبها قوة متجددة تضاف إلى قوتها الذاتية التي تضخمت بالإسلام نفسه الذي جاء في الدين والعقيدة والشريعة والاجتماع والإنسانية والعلوم والتجارة والاقتصاد والسياسة، وغير ذلك بجديد كثير استوعبته العربية. * 1981