تحتل كل من المملكة العربية السعودية وفلسطين مكانة خاصة جدا لدى شعوب العالم الإسلامي، فالأولى قبلتهم التي لا يحيدون عنها قيد أنملة، أما الثانية فهي أولى القبلتين ومتعبد الأنبياء. كانت السعودية منذ أيام الملك عبدالعزيز ولا زالت إلى اليوم الحليف الأول للشعب الفلسطيني تؤازره في نكباته التي لا تنتهي وتذود عنه وعن قضيته في المحافل الدولية. هذا الموقف السعودي المشرف كان في مستوى تطلعات الفلسطينيين الذين لم يشكّوا يوماً في الارتباط الوثيق الذي يجمع البلدين، لاسيما أن السعوديين لا يتعاملون مع القضية الفلسطينية كقضية سياسية تمس أمن المنطقة فقط بل قضية ذات طابع إنساني وديني؛ نظراً لقدسية أرض فلسطين لدى المسلمين. تميزَ دعم الرياض للسلطة الفلسطينية والشعب الفلسطيني المنكوب منذ البداية بكونه دعماً لا مشروطاً، وخالٍ من أي مزايدات أو حسابات سياسية ضيقة قد تسبب حرجاً للقيادة الفلسطينية، وخير دليل على ذلك أن حجم المساعدات السعودية لم يتأثر البتة بالتغيرات الجذرية التي شهدها المشهد السياسي الفلسطيني في السنوات الأخيرة سواء في رام الله أو قطاع غزة ما يعكس صدق نوايا السعودية ونبل دوافعها على عكس بعض الدول الأخرى التي لا تتوانى لحظة في المزايدة أو المساومة لأجل تحقيق أجندات خاصة لا تخدم الشعب الفلسطيني لا من قريب ولا من بعيد. المسار التضامني الطويل بين البلدين لم يقتصر يوماً على الدعم المعنوي والسياسي فقط بل شمل أيضا الدعم المادي واللوجستي، إذ تُعد المملكة العربية السعودية أكبر مساهم عربي في الموازنات الفلسطينية بمتوسط 240 مليون دولار أميركي سنوياً وفق الأرقام الصادرة عن وزارة المالية الفلسطينية. تبرعات المملكة التي كانت تعلن في القمم والاجتماعات الكبرى ظلت على مدار سنين سنداً للفلسطينيين تخفف عنهم وطأة الاحتلال وانعكاسات الانشقاقات الداخلية التي تصدع الصف الفلسطيني وتعرقل الاقتصاد. تصعب الإحاطة بالكلية بما قامت به المملكة لدعم القضية، غير أنه لا يمكن المرور دون الإشارة إلى أنها كانت سبّاقة خلال المؤتمرات العربية والدولية في اقتراح مبادرات عديدة من شأنها التخفيف من معاناة الفلسطينيين، فإضافة إلى تمويلها للمنظمات الدولية التي تُعنى بشؤون اللاجئين بالشرق الأوسط مثل: وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين «الأونروا» ومنظمة الأممالمتحدة للتربية والعلوم والثقافة «اليونيسكو» والصندوق العربي للإنماء الاقتصادي، فقد كانت الرياض أولَ من اقترح إنشاء صندوقين باسم «الأقصى» و«انتفاضة القدس» خلال القمة العربية بالقاهرة سنة 2000، إلى جانب ما تقدمه من مساعدات مالية ضخمة. رغم كل الأراجيف والشائعات التي تحاول بعض الأطراف نشرها، فإن علاقة السعودية بفلسطين ستظل متينة وجوهرية اليوم وغداً، متحدية كل الأجندات الخارجية التي تسعى إلى إحداث فتنة بين شعبين ملتحمين ومتماسكين وإن فصلتهم حدود إدارية غير مرئية.