بينما نحن نحرك أصابعنا على شاشات هواتفنا، نتنقل من هذا التطبيق لذاك ومن هذا الموقع للآخر، نضحك تارة ونستفيد أخرى من الأطروحات والأدبيات، و«نتحسف» تارة لما كثر سخطه تحت عنوان (الطقطقة) عن الأندية والكورة، فقلنا لا بأس روح رياضية! ولكن يصل بنا الحال أن نتهكم بشخصية تُعتبر أيقونة الفن الخليجي والعربي، أسطورة الفن والطرب، شخصية هي الرقم الأصعب في مجال الغناء، يكفي أن نقول: هو (محمد عبده) الذي كلما تقدمت به السنون تزيد حنجرته عذوبة وحلاوة وطراوة، يكفي أنه رمز الأغنية العربية، وفنان العرب قاطبة. كم تغنى بفنه جيل ولحقه جيل، وما زالت أغانيه القديمة تُعشَق رغم اختلاف الأذواق. محمد عبده الذي ما إن أنشد وغنى، الكل يقف احتراما وتقديرا وطربا لصوته ولحنه واختياره للقصائد العذبة، التي ربما بعضها أعطيت له شخصيا ليترجمها أحاسيس بأوتار صوته الذهبية وأدائه العظيم وبموالاته الفريدة، محمد عبده الذي صفق له القاصي والداني، الذي نال جل الجوائز وأفخم الأوسمة ومن أعلى سلطات في السعودية والوطن العربي، محمد عبده الذي حين يغني تصمت العصافير عن التغريد مستمتعة بصوته الشجي، الذي ما إن قال آه وآهين حتى تحرك جميع ما في الحشا شوقا وطربا وحبا، الذي ما إن قال: أنا خائف يستمر صمت الشفايف! حتى تذوب كلا الخلافات بين المحبين والكل يحرك شفتيه ها أنا ذا بلا خوفٍ وبلا صمتٍ ومعاناة. ما إن قال: محتاج لها تقول يا عمري تعال! وكأن الأرواح تطير فعلا من الفرحة وترفرف فوق سحب الهيام، يعيشها كل من عاش إحساسا بمقام إحساس (أبو نورة) وهو يغني بكلماتها وحروف تلك القصيدة الرائعة، ما إن تغنى وتفنن في عمله حتى أصبح الرقم الأصعب الذي لم ولن يكسر، وأما إذا أنشد قائلا: يا غائبة إلا عن الخافق سلام ردي عليّ يا همسة العاشق سلام! وكأن الجوارح تخضع وتحن ولا تتنكر للسلام. مهما كتبت من كلمات فلن أفيك حقك (أبو نورة). وأخيرا وليس آخِرا: ستظل أنت الأول والجميع من بعدك، ومهما أطلقوا التفاهات عليك ستظل شامخا، ولك عشاقك أين ما ارتحلت، عش طربا فنحن نطرب لسماعك.