يشارك معهد العالم العربي في باريس الجالية الجزائرية المقيمة في فرنسا احتفالاتها هذا العام بمرور 50 عاما على استقلال الجزائر. وتتنوع احتفالية المعهد لتغطي غالبية - إن لم يكن كافة - الجوانب الثقافية التي تسلط الضوء على الإبداع الجزائري. وتمتد هذه الاحتفالات الثقافية باستقلال الجزائر حتى الشهر المقبل والبعض منها سوف يستمر لوقت أطول. ومن أبرز الفعاليات التي يحتضنها معهد العالم العربي في باريس بهذه المناسبة، على مدى ثلاث أمسيات اكتشاف بعض جوانب الفكاهة الجزائرية/ الفرنسية، وذلك من خلال عروض لخمسة كوميديين، تركز على استعراض الكثير من جوانب الحياة الاجتماعية والتي تنعكس عليها بشكل واضح العلاقة بين البلدين بكل ما تحمله من إيجابيات وسلبيات. وبتنظيم مشترك بين معهد العالم العربي والوكالة الجزائرية للتوعية الثقافية يقدم ما يقرب من 24 فنانا، نصفهم من النساء، ينتمون إلى جيل جديد من المصممين الجزائريين، تصميمات فنية ومجسمات. ويستمر هذا المعرض حتى سبتمبر من العام الحالي، ويضم عملا لكل فنان من الفنانين المشاركين. وتعد السمة المشتركة في كافة الأعمال كونها مستوحاة من الأشياء اليومية التي تنتمي إلى عقود سابقة، مما يجعل المعرض، بحسب القائمين عليه، يشكل شكلا من أشكال إعادة استثمار بعض الأشكال أو الأنماط التي كانت تستخدم ولكنها صارت في طي النسيان الآن ( مثل الطواجن، بعض الأثاث، وغيرهما)، وما يميز هذه الأعمال أن هذه الأشكال تعرض مرتكزة على شكلها الأساسي مع إضافة لمسات حداثية على كل منها. وفي الإطار نفسه، يخصص المعهد المهرجان الثالث عشر للموسيقى للاحتفال بالذكرى الخمسين لاستقلال الجزائر. وعن هذا يقول ل"الوطن" مدير الأنشطة الثقافية في معهد العالم العربي محمد متالسي: إن التظاهرة كلها هي نوع من مشاركة الجالية في احتفالاتها هذا العام، بكل ما تحمله من خصوصية، كما أنها تسلط الضوء على قدرة الثقافة على التعبير عن كافة المواقف من جراح وقت الاحتلال إلى أفراح بالاستقلال، وعلى أنها جسر تواصل لا مثيل له ما بين الماضي والحاضر في حياة الشعوب، وهذا يظهر بوضوح من خلال كافة الفعاليات. أما فيما يخص تخصيص مهرجان المعهد الموسيقي لهذا العام بأكمله للجزائر، فهذا يعود إلى أن المعهد يجد في المناسبة نفسها فرصة لتكريس الموسيقى الجزائرية بكل ما تحمله من ثراء وتنوع ما بين البربرية والعربية والعثمانية وأفريقيا السوداء. وأكد متالسي أن الموسيقى في هذا البلد هي كنز حقيقي سواء على مستوى الألحان أو الإيقاعات، وهي تختلف باختلاف المناطق الحضارية والريفية، لذا نجدها متنوعة. وسوف يعرض المهرجان عددا من المؤلفات الموسيقية القديمة والحديثة الشائعة في كل منطقة من المناطق، بمعنى عزف وغناء الشعبي والتقليدي إلى جانب الموسيقى الأندلسية وموسيقى الديوان وكناوة والغناء البدوي في غرب الجزائر، إلى جانب الموسيقى الحديثة والتي تتميز بالجرأة والانفتاح على العالم المعاصر، فمنذ عام 1970 تقريبا والموسيقى قد تغيرت في الجزائر أكثر من أي مكان آخر بسبب الموسيقيين الجزائريين المقيمين في الغرب، وأيضا لرغبة فناني الجزائر بعد الاستقلال في مواكبة الأساليب العالمية في الموسيقى، ولكن على الرغم من ذلك فإن مهرجان المعهد يركز أيضا على احتفاظ الفنانين الجزائريين على الرغم من تطورهم بصلة دائمة مع تراثهم الموسيقي، وهو ما كنا نعنيه في بداية الحديث بقدرة الثقافة بكل أدواتها على تحقيق تواصل بين الأجيال مما يدعم هويتهم وحضارتهم. يذكر أن المعهد خصص أمسية شعرية بعنوان "شكر وعرفان" للشاعر الجزائري موفدي زكريا الذي يعد شاعر الثورة الجزائرية، وكتب عددا من القصائد والأغنيات الوطنية، أهمها على الإطلاق ما صار النشيد الوطني الجزائري، ومن مجموعاته الشعرية: النار المقدسة (1961)، وتحت الإلهام من أطلس (1976) والإلياذة من الجزائر (1972)، إلى جانب قصائد أخرى اشتهر بها الشاعر، وأسهمت في دعم عزيمة الشعب الجزائري أثناء مقاومته للاحتلال.