لو أن كياننا الوطني العظيم كان دولة هامشية، وبلدا ثانويا في العالم، لما انشغل الناس بنا. ولوجدنا صعوبة كبيرة جدا في التعريف بأنفسنا. وعلى من يشك في هذه المقولة، أن يسأل أحد التجار، أو المبتعثين الأوائل الذين ذهبوا للعالم البعيد يوم لم نكن شيئا مذكورا، حين كان هؤلاء الأوائل يعرفون بأنفسهم، فيظن الغربي أن بلادنا في صحراء نيفادا، أو أنها بالقرب من المكسيك، وحين كان المثقف الغربي (واسع الإطلاع) يعرف -فقط - أننا عرب (Arabs) وفق ما يحمله في ذهنه من صور مشوهة من الجهل والتخلف والانحطاط لكل ما هو عربي. ولو أننا كنا دولة هامشية، لبحث الطامعون في المجد العالمي عن مكان آخر لمحاولاتهم فرض السيادة الدولية بالقوة. ولو أن في العالم اليوم من هم أكثر أهمية منا، لانشغل الآخرون بمناورة الأهم مثل ما كانوا يفعلون يوم آلياتهم الساخنة و(الباردة). ولو أننا كنا (طرفا)، لبحث المريدون عن (المركز). لكن قدرنا أن نكون (مركز) العالم المعاصر، بعد رحلتنا النموذجية في ميدان التنمية المجتمعية الشاملة، بالقدر الذي بات العالم كله ينظر إلينا غير مستوعب ما حققناه من إنجازات عظيمة في مجالات عديدة. صحيح أننا لا نزال بحاجة ماسة لمزيد من العمل والجد من أجل مزيد من التميز والرفعة. وصحيح أيضا أننا لا نزال نعاني من مشكلات مجتمعية تعوق وصولنا لما نتطلع إليه من ارتقاء في سلم الحضارة الإنسانية، لكن ما تحقق عندنا قد فاق - رغم كل ذلك - معظم الحسابات البشرية، فقط إننا أردنا أن نكون فكنا، بإذن الله. ولأننا كبار، بمبادئنا، وقيمنا، ووحدتنا، وكياننا، فقد لا يروق ذلك لمن يتطلعون إلى تقزيم الآخرين. ومن هنا، قد نكون دخلنا المعترك العالمي، وقد تكون إرادات دولية (كبيرة أيضا) قد سعت لاختراق كياننا الثقافي والاجتماعي، غير أن مجتمعنا العظيم حقيق بأن يقلب المعادلة الوطنية لصالحه، استنادا إلى تاريخ مشرف جعل التلاحم المجتمعي، والوحدة الوطنية أمرا لا يقبل المساومة، فتاريخ قيادتنا السياسية تاريخ نزيه، وأواصرنا المجتمعية مترابطة رغم كل العقبات، والشاذون عن هذه القاعدة نادرون، أو هم من تم توظيفهم كمحرك يائس للأطماع الإستراتيجية في المنطقة. ولذلك، فعندنا أمران لا يقبلان المفاوضة: الدين، ثم الوطن: حكومة، وشعبا، وأرضا. هكذا اتفقنا، وهكذا نتفق. ولأننا دولة محورية فاعلة ومؤثرة على الساحة الدولية، فعلينا - فقط - أن نستشعر هذه المكانة العظيمة، وأن نعمل على صيانتها ورعايتها، بكل ما ينشر العدل والأمن والسلام على الأرض. ربما أتينا من أن من بيننا ومن حولنا من لا يروق لهم ذلك. *من أين أتينا؟ محاولة لفهم الواقع الذي استعصى * صدر عام 2005 دكتوراه في الإعلام والاتصال الإنساني مونتريال بكندا 1998 نائب رئيس مجلس إدارة الجمعية السعودية للإعلام والاتصال عضو هيئة التدريس في قسم الإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية بالرياض رئاسة عدد من اللجان الإعلامية المتخصصة مستشار غير متفرغ لدى مؤسسة ميساب للإنتاج الإعلامي، ورئيس برنامج الإعلان الإلكتروني العالمي لدى المؤسسة كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام محمد بن سعود 1423