اليوم الأول السبت وبعده الأحد قضيتهما في السنة الثالثة، أما الإثنين فعند الحصة الرابعة كان الأستاذ صقر سعيد -حفظه الله- يدرسنا التوحيد، وكان المقرر كتاب الأصول الثلاثة للشيخ محمد بن عبدالوهاب، رحمه الله. كان الأستاذ يستدعي الطلبة واحدا بعد الآخر، ليقرأ كل منهم الدرس المقرر غيبا، سألت قبل يومين أحد الطلاب عن المطلوب منا تجاه مقرر التوحيد، فقال لي «تحفظه غيبا»، فحفظته في يومين. عندما بدأت أقرأ ما حفظت وتجاوزت الحد المطلوب، أوقفني الأستاذ وسألني عما أحفظ فقلت الكتاب كله، قال: هل درسته من قبل؟ أجبت بالنفي، طلب الاطلاع على دفاتري، كان فيها بعض المسائل في الحساب، ودروس الإملاء، أمرني بالجلوس وغادر الفصل. عاد بعد دقائق وأخذني معه إلى الإدارة وأجلسني على أحد الكراسي وناولني ورقة، وقال لي: اكتب خطابا باسم مدير مدرسة بني ظبيان، «هذا اسم مدرستنا» واطلب الالتحاق بالمدرسة، واشرح أين كنت وماذا تعرف من الدروس، ففعلت ما قال، ثم ناولته الورقة فأمرني بالعودة إلى الفصل. بعد الظهر حضر الأستاذ صقر ونقلني إلى السنة الرابعة، إذ قال للطلبة: هذا زميلكم الجديد، وغادر. جلست في آخر الفصل، بدأت التعرف على الطلبة، وأقبل علينا الأستاذ المليص، وبدأ الدرس الأول في مادة النحو «قواعد اللغة العربية»، واستخدم السبورة لكتابة بعض أمثال، ووضع خطوطا تحت بعض الكلمات، وقال هذا فعل وهذا اسم وهذا حرف، ووجدت نفسي لا أفهم كلمة مما أسمع، انقبضت أساريري وارتبكت. ساعدني طالب يجلس إلى جانبي بإخراج كتاب «النحو المدرسي»، وفتح الصفحة الأولى فيه، وأشار إلى الفقرة الأخيرة بعنوان «القاعدة»، وقال لي احفظ هذا حتى يوم غد. القاعدة تقول: الكلام هو اللفظ المركب المفيد بالوضع، وأقسامه ثلاثة: اسم وفعل وحرف، فالاسم ما دل على مسمى، والفعل ما دل على حدث، والحرف لا يظهر معناه تاما إلا مع غيره. وقد أشكلت عليّ القاعدة كلها، ولم أعرف معناها ولا معاني كلماتها، ومن ثم لم أستطع حفظ كلمة واحدة. يوم الثلاثاء كان درس النحو في الحصة الثانية، قام الطلاب تباعا بترديد القاعدة بنصها، أما أنا فوقفت صامتا ولم أستطع أن أردد كلمة واحدة، وعلت الدهشة وجه الأستاذ المليص، فأمرني بالوقوف جانب الجدار، بعدها جلدني بالعصا سبعا على بطن قدمي، ثم طلب من اثنين من الطلاب أن يمرّا بي حاسر الرأس على جميع الفصول، طالبين من طلاب كل فصل أن يصيحوا عليّ بأعلى صوت: «يا بليد». كان الموقف أكثر حرجا وصعوبة عندما مررت أمام أبناء قريتي في فصولهم المختلفة. بالأمس تملّكتهم الغيرة عندما نقلت من السنة الثالثة إلى الرابعة، واليوم ينادون عليّ بالفشل. * الطريق إلى النجاح * صدر عام 1431