CNN)-- قد تبدو فكرة تمضية ليلة باردة من ليالي الشتاء في القراءة أو مشاهدة التلفاز بعيداً عن الناس مغرية لبعض الأشخاص، ممن قد يفضلون العزلة والوحدة على الاختلاط الاجتماعي، بينما قد يرى البعض الآخر أن ليلة من هذا النوع تبعث على الإحباط والملل، وقد تولّد لديهم حتى الشعور بالغضب. وإذا كان هذا التباين في الطباع الاجتماعية للبشر أمراً معروفاً منذ زمن طويل، فقد أظهرت دراسة جديدة أن أسبابه قد تكون جينية، بحيث يرث المرء نصف صفاته على هذا الصعيد من الأهل، بينما يتأثر النصف الثاني بالبيئة المحيطة. وظهرت نتائج الدراسة في كتاب حمل عنوان "الوحدة" أعده الدكتور جون كاسيوبو، مدير مركز طب النفس الاجتماعي في جامعة شيكاغو الأمريكية، بمساعدة أخصائي آخر هو وليام باتريك. ويحدد كاسيوبو مفهومه للعزلة بأنه "استمرار حاجة المرء للتواصل الاجتماعي مع الناس، حتى وإن كان في وسط حشد كبير من الأشخاص،" ويقدّر بالتالي أن 60 مليون شخص في الولاياتالمتحدة وحدها يشعرون بالوحدة والعزلة، ما يسبب لهم الكثير من الحزن والإحباط. وقال كاسيوبو لCNN إنه يرى الشعور بالوحدة على أنه أمر يشبه الشعور بالجوع أو العطش، بمعنى أنه قد يصيب الجميع ويدفعهم إلى محاولة إشباعه. وباعتماد بيانات عائدة لثمانية آلاف شخص، يقول كاسيوبو إن الأبحاث أثبتت بأن مستويات العزلة أو المشاركة الاجتماعية عائدة إلى أسباب جينية في 50 في المائة من الحالات. غير أن الدراسة عجزت عن تحديد الرابطة السببية بين كل عنصر من العناصر الخاصة بميل الشخص إلى العزلة، وبين الجينات المحددة. وترى الدراسة أن موقف الناس من العزلة أو الوحدة قد تأثّر بمعطيات التطور الطبيعي للعرق البشري، حيث كان البقاء وحيداً في العصور الغابرة يهدد حياة البشر ويعرضهم لخطر الوقوع فريسة للحيوانات المتوحشة، أو يجردهم من مصادر الغذاء. غير أن ذلك لم يحل دون وجود الجينات القادرة على مواجهة الإحباط الناجم عن الشعور بالوحدة بسبب إيلاء أهمية أكبر لمشاعر أخرى، مثل حب الاستطلاع الذي كان يدفع المستكشفين لمحاولة عبور المحيطات والأراضي التي لم يطأها قبلهم أحد. ويحدد كاسيوبو عوامل بيئية قد تكون مسؤولة عن ميول المرء الاجتماعية في الحالات الأخرى، وبينها الخوف من رفض المحيط وفقدان مواهب التواصل الاجتماعي وانعدام الثقة بالنفس. وحث كاسيوبو الأشخاص الذين يشعرون بالعزلة ويخشون الوحدة على الانخراط أكثر في النشاطات الاجتماعية، على غرار العمل التطوعي أو مساعدة المحتاجين، والحفاظ على نظرة تفاؤلية حيال المسار الذي ستتخذه حياتهم