غيب الموت مساء اليوم المؤرخ الكبير القاضي إسماعيل بن علي الأكوع عن عمر ناهز السابعة والثمانين عاما أمضى جله في خدمة الوطن ملتزما محراب العلم مجتهدا في مجال البحث التاريخي، فطاف قرى اليمن ومدنها، سهولها وجبالها، ووديانها وسواحلها، جامعا محققا، باحثا ودارسا وممحصا، موثقا ومؤلفا للعديد من الكتب التي هي اليوم من أهم المراجع في التاريخ والثقافة في اليمن وقد نعته وكالة سبأ للأنباء بالقول : يوما تخسر فيه أمه من الأمم علما من أعلامها، لهو اليوم الصعب في تاريخها، الذي لن يكون من السهل عليها تجاوزه أو تعويض الخسارة الناتجة عن مصابها فيه. وأي خسارة يمثلها رحيل علامة اليمن و مؤرخها القاضي إسماعيل بن علي الاكوع وهو الذي أفنى عمره في كتابة التاريخ الثقافي لليمن، هذا التاريخ الذي يمثل فيه المؤرخ الاكوع مؤسسة أسهمت في رفد المكتبة اليمنية بما سيظل دليلا للأجيال إلى مستقبل يضيء طريقهم إلى النور، وهو النور الذي لن يتجلى ما لم يتحلوا بسجايا هذا الجهبذ في مجاله. أمضى القاضي الاكوع حياته محبا للقراءة والبحث والتمحيص والتحقيق والكتابة والمراجعة ومتابعة جديد ما يكتب عن تاريخ اليمن وحضارته، وكان يقضي معظم أوقات يومه في برنامج يخصص جله للقراءة والكتابة حتى آخر حياته. ويقول نجله محمد إسماعيل الاكوع: كان والدي في أيامه الأخيرة يمضي أيامه قبل أن يشتد عليه المرض مثل بقية أيامه إذ كان يقضي معظم أوقاته في القراءة. وللفقيد الراحل عدد من الكتب والبحوث الفريدة في بابها، والتي لم يسبق لأحد قبله تناولها حيث صدر له من الكتب: الأمثال اليمانية في مجلدين، المدارس الإسلامية في اليمن، تاريخ أعلام أل الأكوع، تحقيق كتاب (مجموع بلدان اليمن وقبائلها ) للقاضي محمد بن أحمد الحجري اليماني، البلدان اليمانية عن ياقوت، هجر العلم ومعاقله في اليمن، خمسة مجلدات، المدخل إلى معرفة ( هجر العلم ومعاقله في اليمن )، الإمام محمد بن إبراهيم الوزير وكتابه ( العواصم والقواسم في الذب عن سنة أبي القاسم )، نشوان بن سعيد الحميري، والصراع الفكري والمذهبي في عصره، أعراف وتقاليد حكام اليمن في العصر الإسلامي، الزيدية نشأتها ومعتقداتها، سدود اليمن أبرز مظاهر حضارتها القديمة، أئمة العلم المجتهدون في اليمن، مخاليف اليمن، الدولة الرسولية في اليمن. كما أنجز عدد كبير من البحوث نشرتها العديد من الدوريات العربية والعالمية، منها : الأفعول، وما جاء على وزنه من أسماء القبائل اليمانية، أبرز الآثار الإسلامية في اليمن، تداخل الأنساب في القبائل اليمنية، صنعاء ومعالمها التاريخية، صنعاء عند المؤرخين، الكنى والألقاب والأسماء عند العرب، وما انفردت به اليمن، اللغات اليمنية القديمة، ومدى صلتها وارتباطها باللغة العربية الفصحى، وما لها من خصائص انفردت بها، كلمات تركية مستعملة في اليمن، مخاليف اليمن عند الجغرافيين المسلمين، تاريخ حمامات صنعاء، الأسباب الحقيقية لمقاومة أهل اليمن للحكم العثماني. - وله دراسات نقدية وتعقيبية وتصحيحية لعدد من الدراسات والكتب التي تناولت تاريخ اليمن وتراثه الفكري والحضاري نشرت في عدد من الدوريات. * والقاضي الأكوع كان عضوا في المجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية في الأردن، ومجمعي اللغة العربية في عمان ودمشق والمجمع العلمي العراقي وعضو المجمع العلمي الهندي وعضو اتحاد المؤرخين العرب وعضو معهد الآثار الألماني في برلين. شارك في العديد من المؤتمرات والندوات في عدد من البلدان. ونال عدد كبير من الجوائز والأوسمة، واحتفلت بتكريمه مؤسسات علمية محلية وعربية ودولية، وكان من آخر هذه التكريمات تكريم المعهد الفرنسي للآثار والعلوم الاجتماعية له بصنعاء في العام 2006، وإصدار المعهد كتاب بمناسبة بلوغه السنة الخامسة والثمانين حينها. هذا وسيشيع جثمان الفقيد الراحل إلى مثواه الأخير بمقبرة حدة بعد الصلاة عليه في جامع التوحيد بمنطقة حدة جوار المستشفى اللبناني عقب صلاة الظهر ليوم غد الأربعاء. تغمد الله الفقيد الراحل بواسع رحمته،وأسكنه فسيح جناته، وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان وإنا لله وإنا إليه راجعون.