لا يخلو التاريخ البشري من نساء شهيرات في شتى المجالات، وتاريخ المرأة العربية برزت فيه نساء كثيرات، سواء في ما قبل الإسلام أو في العصور الإسلامية المتعاقبة، لكن في ظني أن السيدة زبيدة زوج الخاليفة العباسي هارون الرشيد هي من بين أعطم نساء الكون، ليس بجمالها فقط، ولا صبرها على الفقد للابن، ولكن بما فعلته من تعمير وإعمار خلدت في التاريخ، وأنا أرى أن عمارتها لأماكن في مشاعر الحج هي من بين أعظم ما حفظه التاريخ مدى الدهر عن عملها الجبار في سقيا الحجاج من خلال بناء وتعمير عين الماء الذي ما زال من معالم الحضارة الإنسانية، يرادف هذا عملها الآخر في بناء طريق للحج من العراق إلى مكةالمكرمة، وهنا أدون نقلا وتفاعلا ملامح من سيرة هذه السيدة: من زبيدة وعين الماء سقيا الحجاج و»أمة العزيز بنت جعفر بن أبي جعفر المنصور» الملقبة ب»زبيدة» من بين أهم نساء الدولة العباسية، فهي حفيدة مؤسس الدولة العباسية الخليفة أبو جعفر المنصور من ابنه جعفر، وزوجة الخليفة هارون الرشيد، ووالدة الخليفة الأمين، أحيت طريق الحج إلى مكة، ونفذت مشروعاً غير مسبوق لتوزيع المياه في مكةالمكرمة، حتى أنها قالت رداً على التكلفة المرتفعة للمشروع «أعمل ولو كلفت ضربة الفأس دينارا». صممت إمدادات المياه في مكةالمكرمة، وطريق الحج من الكوفة إلى مكةالمكرمة، وحتى اليوم بقي اسمها خالداً على أعمالها. وثقت هيئة الأوقاف في المملكة العربية السعودية في موقعها على النت العين لتكون ضمن وتحت الإدارة الحكومية عناية ورعاية: أمرت زبيدة بنت جعفر المنصور زوجة الخليفة هارون الرشيد بحفر قنوات مائية تتصل بمساقط المطر، واشترت جميع الأراضي في الوادي، وأبطلت المزارع والنخيل، وأمرت بأن تُشقّ للمياه قناة في الجبال، كما استطاعت زبيدة برجالها العاملين المخلصين أن يبدأوا في تصميم هذا المشروع العملاق بطرق فنية متطورة تتساوى مع ما توصل إليه اليوم علم الهندسة من تطور وتقدم، لاسيما في قدرة العاملين آنذاك في سحب المياه عبر تلك المسافة الطويلة وعبر مرتفعات ومنخفضات جبلية وأودية وصحاري، فعملوا المناسيب المنسابة لمجرى العين والقنوات بالحجر والجص حتى استطاعت المياه الانسياب عبر هذه القنوات والمضخات البدائية بكل سهولة ويسر حتى وصلت إلى المسجد الحرام بمكةالمكرمة مروراً بمناطق المشاعر المقدسة منى وعرفات ومزدلفة ولا تزال آثار القنوات المائية والخرازات قائمة إلى يومنا هذا في سفوح الجبال وكأنه قد تم عملها بالأمس رغم مرور مئات السنين عليها. وانطلاقاً من أهمية الأوقاف والمحافظة عليها، تم في عهد المؤسس الملك عبد العزيز - طيب الله ثراه - إنشاء إدارة خاصة لإدارة العين سُمّيت (عين زبيدة) تشرف إشرافًا كاملاً على العين والآبار الخاصة بها وترميمها، وقد قام الشيخ عبدالله الدهلوي بأمر من الملك عبدالعزيز بعمارة عين زبيدة لعدة سنوات. نفذت السيدة زبيدة العين بعد حجها عام 186ه، وبفعل العوامل الطبيعية فقد تعرّضت عين زبيدة للانقطاع لقلة الأمطار وقد عيّن الأمير (إبراهيم بن بردى) بمصر لإنجاز مهمة إصلاحات العين وتوفي قبل إنجازها. وتولى الأمر من بعده أمير «جدة»، فمات أيضًا دون إنجازها. أتمّها القاضي السيد «حسين الحسني»، بعد أن استغرق العمل عشرة أعوام كاملة. وفي عام 1346ه قام الشيخ عبدالله الدهلوي بأمر من الملك عبدالعزيز بعمارة عين زبيدة لعدة سنوات. تم نقل اختصاصات عين زبيدة إلى الهيئة العامة للأوقاف بموجب قرار مجلس الوزراء رقم 319 وتاريخ 13-9-1431ه. https://web.awqaf.gov.sa/ar/endowment-example/endowment-eye-zubaydah يمتد درب زبيدة «طريق الحج الكوفي» من مدينة الكوفة في العراق مروراً بشمال السعودية ووسطها وصولاً إلى مكةالمكرمة، ويبلغ طوله إجمالاً 1571كم، وتحتوي السعودية على النصيب الأكبر من محطاته، وذلك بنسبة 75 % منه حيث يمر بخمس مناطق إدارية وهي: (الحدود الشمالية، حائل، القصيم، المدينةالمنورة، مكةالمكرمة) احتوت منطقة حائل على العدد الأكبر من المحطات بإجمالي 35 محطة، وتليها الكوفة في العراق ب14 محطة، ثم منطقة الحدود الشمالية ب13محطة والمدينةالمنورة ب13 محطة، ثم منطقة مكةالمكرمة ب7 محطات، ومنطقة القصيم ب4 محطات. بعض المحطات اندثرت بسبب عوامل التعرية ولم يعد لها وجود اليوم. وقد حصل البوفيسور سعد الراشد المولود في صبيا، على شهادة الدكتوراة عن درب زبيدة: طريق الحج من الكوفة إلى مكةالمكرمة دراسة تاريخية وحضارية أثرية وصار الطريق ضمن أعمال وزارة الثقافة في منظمة اليونسكو، ويمتد درب زبيدة على مسافة 1571 كلم ويرتبط ب27 محطة رئيسية بالإضافة إلى 59 محطة فرعية، تسمى كل منها (متعشى)، وهي استراحة تقام بين كل محطتين رئيستين، ومتوسط ما بين كل محطة ومحطة نحو 50 كم. وقد وثق الدكتور سعد الراشد، أستاذ التاريخ والآثار الطريق في رسالته للدكتوراة ووضع رسالته للتحميل من خلال الشبكة العنكبوتية. بالتزامن مع الجزيرة 5شعبان 4فبرايرر 2-25