يعد ابن البناء المراكشي، واحدًا من أبرز علماء الحضارة الإنسانية، نبغ في علم الرياضيات، ووصل إلى درجة عالية في هذا العلم حتى لُقِّبَ بالعددي، ويُعَدُّ كتابه (تلخيص أعمال الحساب) من المراجع الأساسية في الرياضيات؛ فقد احتوى على بحوث مستفيضة عن الكسور، وقواعد لجمع مربعات الأعداد ومكعباتها، فضلاً عن أنه كان إمامًا من أئمة المعقول والمنقول في عصره. هو أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي العددي، من الأزد إحدى القبائل القحطانية، التي كانت تسكن اليمن وما جاورها من جنوبي شبه الجزيرة العربية، وإليهم يُنسب الأنصار. لُقِّب ابن البنَّاء بهذا الاسم؛ لأن جده كان بنَّاءً، ولُقِّب بالمراكشيِّ لأنه وُلِدَ بمدينة مُراكُش، كما لقب بالعدديِّ نسبة إلى العدد، أي: الحساب؛ لأنه نبغ في علم الرياضيات، كما قام بتأليف العديد من الكتب في هذا المجال، وقام باستنباط العديد من القواعد التي ما زال أثرها على علم الرياضيات موجودًا إلى اليوم، ولِدَ ابن البناء عام (654ه-1256م) بمُراكُش، أدخله والده الكُتَّاب فحفظ القرآن الكريم، ودرس الفقه والنحو والصرف والبلاغة والأدب على يد مشاهير العلماء هناك. اتجه ابن البناء إلى فاس، فدرس الطب والرياضيات والفلك والتنجيم، حتى برع في هذه العلوم، وكان يأتيه طلاب العلم من أنحاء البلاد المختلفة، وهذه النشأة العلمية -بلا شكٍّ- كان لها أثرها في تعميق ثقافته وسعة اطلاعه وعلمه؛ لذلك كان ابن البناء المراكشي نابغًا في العديد من العلوم، مثله مثل الكثير من المسلمين في ذلك الوقت، إلا أنه نبغ بشكل ملحوظ في علم الرياضيات؛ حيث إن اشتغاله بعلم الرياضيات أعطاه شهرة عالمية، فكان من السابقين في هذا المجال.
آراء العلماء في ابن البناء المراكشي نال ابن البناء المراكشي ثناء الكثير من العلماء؛ وذلك لما قَدَّمه من جهود كبيرة في تطوير علم الرياضيات، فيقول عنه المؤرخ أحمد بن خالد الناصري:"أبو العباس أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي المراكشي، المعروف بابن البناء، الإمام المشهور في علم التعاليم والهيئة والنجوم والأزياج وغير ذلك، وكان- رحمه الله عز وجل- معروفًا باتباع السُّنَّة، موسومًا بطهارة الاعتقاد، منعوتًا بالصلاح، وكان انتفاعه بصحبة الشيخ أبي زيد الهزميري". أما الحافظ شهاب الدين ابن حجر العسقلاني فيتحدث عنه قائلاً:"أحمد بن محمد بن عثمان الأزدي العددي أبو العباس ابن البناء، أخذ عن قاضي الجماعة أبي عبد الله محمد بن علي بن يحيى المراكشي، وأبي عبد الله محمد بن أبي البركات المشرف، وأبي العباس أحمد بن محمد المعافري المدعو ابن أبي عطاء، وأبي الحسين بن أبي عبد الرحمن بن محمد بن عبد الرحمن بن يحيى المعقلي، وغيرهم. وكان فاضلاً عاقلاً نبيهًا، انتفع به جماعة في التعليم، وكان يعمل من بعد صلاة الصبح إلى قرب الزوال… وله من المصنفات: (التلخيص في الحساب)، و(اللوازم العقلية في مدارك العلوم)، و(الروض المريع في صناعة البديع)، وكتاب في الأوقات، وكتاب في الأنواء، وغير ذلك، واستمر ببلده يشغل الناس إلى أن مات سنة 721ه". وقد تحدَّث عنه ابن خلدون في مقدمته وتاريخه، وكان لا يذكره إلا بالإمام أبي العباس المراكشي؛ إجلالاً لقدره ومعرفةً بفضله، فيقول عنه إنه:"شيخ المعقول والمنقول، والمبرز في التصوف علمًا وحالاً… كان إمامًا في علم النجامة وأحكامها وما يتعلق بها". وهذه الشهادات من كبار علماء الإسلام الأعلام؛ كابن حجر العسقلاني شيخ أئمة الجرح والتعديل، وابن خلدون مؤسس علم الاجتماع، ومؤرخ المغرب العربي أبي العباس الناصري، تزيد من قدر ابن البناء المراكشي، وتؤكد جلالة علمه، وإتقان عمله، وجودة مؤلفاته؛ مما زاد من رفعته ومنزلته