صعود سمو ولي العهد الأمير محمد بن سلمان إلى قيادة بلاده لم يكن تغييرًا عاديًا في كراسي السلطة. كثير وكبير التغيير الذي أحدثه هذا القائد ولكني سأسلط الضوء على جزء من هذا التغيير الذي أحدثه الأمير الشاب في أعماقنا نحن السعوديين.. طموح الأمير محمد اللا محدود تأثرنا به، وانتقلنا من شخصيتنا السابقة التي كانت تدور حول فن الممكن إلى شخصية جديدة تبحث عن أقصى ما يمكن. كنا في السابق مكبلين بأوهام الخصوصية، ونخاطب الآخر على استحياء وبحمولات كبيرة من التوجس إلى أن أتى هذا الأمير وكسر القيد وأخرجنا من قوقعتنا إلى رحاب العالم الفسيح، وصار الانفتاح هو الروح الجديدة التي تقودنا. الجميع كان يردد أن التغيير يحتاج إلى الكثير والكثير من الوقت، وبعد جرأة الأمير محمد على القرار تلو القرار، اكتشفنا أن ساعات التغيير التي نحملها كانت معطوبة، وأن التغيير كان يحتاج إلى قرار ولم يكن بحاجة للوقت الهائل، وإدارة التغيير تبدأ بإرادة التغيير وصدق ربنا سبحانه حين قال {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ}. كانت الأيديولجيات تعصف بنا، والاستقطابات تنهك قوانا في حرب لا ينتصر فيها أحد، وبعد أن أمسك الأمير محمد بزمام السلطات أخرجنا من كرب هذه الأيديولوجيات إلى رخاء الحياة، وصارت معايير تقويمك هي جودة إنتاجك في منطقة تخصصك وليست منطقة انتمائك. ضاعت عقود على الشباب السعودي وهم يلاحقون قضايا لا تخصهم بشكل مباشر في عواصم عربية وإسلامية وحتى عالمية، حتى أضحى من يتغنّى بالسعودية أو يمتدحها رجلاً مشكوكاً في أمره ولا يستحق الاحترام، وبعد قيادة الأمير محمد لملفات بلاده السياسية صحونا من نومنا العميق الذي كنا نطارد فيه كل شيء إلا بلدنا، ورجعنا إلى فطرتنا النقيّة، التي تبحث عن مصلحة السعودية أولاً، وصرنا نردد نشيدنا الوطني متراصين وأرواحنا تقول (الوطن أولا وأخيرًا). كان الإحساس بأننا تائهون يسكن الكثير من النخب، وأننا نرتجل في وجهات قد يناقض بعضها بعضًا، وربما يكون مصدر هذا الإحساس أننا لا نعلم أين هي البوصلة البعيدة، وبعد رؤية 2030 التي أتى بها الأمير محمد التفتت أعناق الرجال تجاه قبلة واحدة، وسارت أرجلهم في جادة واضحة لا تمحوها عجاجات الصحراء. لسنين طويلة كان اللحن الرائج الذي يحرك الشباب هو الشعارات، ولكن الموسيقار الجديد قلب النوتة على الجميع بعبارته الشهيرة (لا تصدقوني وصدقوني الأرقام)، فبعد تغيير طريقة العمل في جنبات الدولة قاطبة صار الرقم هو المقدس، والكل صار يركض بإيقاع هذه الأرقام التي تتحدى الجميع هنا. كنا نعتقد أن الفساد قدر، وأن اجتثاث الفساد هو مستحيل لا يمكن لأحد أن يناله، وبعد أن تحدث الأمير محمد عن نيته الجادة في محاربة الفساد أياً كان من خلفه ظننا أنها نوايا لا يمكن تحقيقها، والذهول كان هو سيد الموقف حين كانت أفعاله أقوى من كلامه، وحتى الفاسدون تغيروا، فلا يجرؤ فاسد على انتهاك المال العام كما كان يفعل من قبل. كان المخلصون يحاولون أن يمدحوا واقعنا أيًا كان هذا الواقع بمقارنته بأحوال من هم أقل منا، وبعد مشاريع الأمير محمد الطموحة صار الواقع خط أساس ونقطة انطلاق نحو تجاوز من هم أفضل منا، لقد ترك المخلصون كرسي مدح الواقع إلى تحدي الواقع، وأدركوا أن هذا الواقع نقطة انطلاق لا قدر لازب. هناك شخصية سعودية جديدة تتشكل الآن.. شخصية فيها روح الابتكار والقدرة على التغيير.. شخصية جديدة طموحة وتحب الحياة.. شخصية هويتها سعودية وتعبر عن ذاتها بلا عقد.. بعد الأمير محمد.. نعم تغيرنا.. نقلا عن الجزيرة