سبحان مغير الأحوال، بعد أن كان البعض يهدد ويتوعد من يتجرأ ويكتب عن الفساد، وتأتيك التهديدات من كل حدب وصوب، جاء العهد الجديد وانقلبت الصورة، وأصبح الفاسدون هم من يخافون ويتوجسون وينتظرون الوقت الذي سيلقى القبض عليهم. بعد قضية فساد رئيس الجامعة الكبيرة، وبعد أن ضجت الصحافة والإعلام بالخبر، نقول إن الموضوع ليس مفاجئا ! ولو نرجع قليلا للوراء، وأتوجه لمسؤولي التعليم وبما أن لدينا وزير تعليم جديدا نسبيًا، فسنتكلم بصراحة ومباشرة، كتبنا حوالي 10 مقالات عن أن الجامعات في المملكة في الفترة الماضية -وأرشيف الصحيفة موجود- كانت شبه استثناء من التطور الذي حدث في المملكة مع الرؤية، بل إن تطورها كان أقل نسبيا من بقية قطاعات الدولة الأخرى. الوضع كان يتراجع بالجامعات، لأن بقية قطاعات المملكة كانت تثب إلى الأمام، وهم إما على حالهم أو تقدم بسيط، وبعضهم انشغل ببعض الإنجازات الكلامية. وللأسف الشديد لم تكن الجامعات والوزارة تلقي بالا لما يكتب عن حال الجامعات أو هذا ما نسمعه في بعض الأوساط. ويقال عندما تنقد بعض الجهات أو الإدارات الحكومية تقوم جوقة المتملقين وبعض المستشارين حول المسؤول الأول في الإدارة أو الوزارة بتجهيز التفسيرات من قبيل (ما عليك منهم وهؤلاء أعداء النجاح، وهذا ربما لديه مصالح، وكل شيء تمام يا فندم، وأنت ما فيه مثلك ولا فيه مثل إدارتك، ويوعزون إلى قسم العلاقات العامة بنشر بعض الأخبار الهلامية والإيعاز لبعض مشاهير التواصل لنفخ بعض الأشياء واعتبارها إنجازات وإلخ...). وضع الجامعات ليس جديدا بين ليلة وضحاها، بل تراكمات طويلة، وتكلمنا وتكلم غيرنا لأنه لا يليق ولا يتماشى مع طموح الرؤية ودعمها الهائل للتعليم أحد أهم ركائز الرؤية. إن بعض المسؤولين في الجامعات ليسوا مؤهلين ولا أكفاء لإدارتها، وعندما قلنا رأيا شخصيا أن %70 من مسؤولي الدولة ليسوا أكفاء شنوا علينا حملة شعواء، وقالوا (ما لم يقله مالك في الخمر) ولم تتوقف الحملة إلا عندما صرح سمو ولي العهد - بيض الله وجهه وأيده «إن حوالي %80 من المسؤولين لم يكونوا أكفاء». بواقعية وكرأي شخصي لم لا تكون النسبة مقاربة في مسؤولي الجامعات السعودية، بل أقول إن بعض مسؤولي الجامعات لو عندنا مدرسة متوسطة لم نثق أن نتركه يديرها ! لا من ناحية الفكر ولا الكفاءة ولا الإدارة ! ولا نبالغ في هذا موضوع !، بعض مسؤولي الجامعات (تناظر) بساعتك، تتمنى يخلص الوقت وتندم على الوقت الذي ضيعته معه !. أتمنى من الوزير أن يجلس مع بعض مسؤولي الجامعات ويستمع لهم ولينظر إلى ضحالة الفكر والانغلاق وعدم المعرفة بالإدارة والإستراتيجيات، بل ماذا عملوا خلال سنوات وعقود؟، فستجد خبرة منغلقة مكررة صغيرة، لشهور يتم تدويرها لعقود دون أي إضافات (ويعتقد أنها خبرة سنوات بينما عمليا هي شيء ضئيل للغاية)، سيكون ربما نوع من العذاب لرجل عملي، جاء من سابك، لكن احتسب الأجر أيها الوزير! أما الفئة الأخرى وربما موجودة في العديد من الوزارات والإدارات، هي (الجوقة)، مجموعة من المستشارين والمتسلقين والمتملقين ومن حول مكتب المسؤول، هم مثل الأوركسترا ينسقون بين بعضهم، كل ما أتى مسؤول قدموا مراسم التملق والتزلف، عملهم الحقيقي وإنجازاتهم شبه صفر بالمقياس الاحترافي لكن عندهم مهارات أخرى، يحاولون إحاطة المسؤول بهالة أو فقاعة تبعده عن الواقع، وكل شيء.. نقد أو تعديل، تجدهم طلعوا فيه ألف علة إذا لم يخترعوا قصصا للمسؤول، ومع الوقت يبعد عن الواقع، وتبدو الصورة عاجية ووردية، مع أنه ليس كذلك. وأقترح على أي مسؤول يعاني من زيادة المستشارين والمتملقين، أن يستفيد من مهاراتهم في التطبيل ويرسلهم لبرامج المواهب والمهارات، ربما يصبح أحدهم طبالا محترفا، منها على الأقل يطلع بشيء مفيد ويستفيد من موهبته. هؤلاء المتسلقون هم أول من يتخلى عن المسؤول بعد إعفائه، يقال إن بعضهم عمل (عدم متابعة) بتويتر لمسؤول بعد إعفائه، فور صدور القرار في التلفاز، وهم الذين كانوا قبلها بيوم يلقون المديح بين يدي المسؤول نفسه ! يحدثني مسؤول كبير مخضرم تقابلنا في إحدى المناسبات وكنا قد انتقدنا إدارته قبلها بفترة، بأن بعض من حوله ألفوا له قصة، لماذا ننتقد إدارتهم وعملوا حبكة درامية، المشكلة في الحبكة أنها غير متزنة لأن مجالي وتخصصي بعيد عن مجال عمل إدارته، وهم حرفوا مجال عملي علشان الحبكة لكن ما مشى الوضع ! في الوضع الحالي للعديد من الجامعات أعتقد أن الحل هو جراحي أو استئصالي واجتثاثي، ما المانع من بتر بعض الأعضاء لإنقاذ حياة المريض. وأيضا تكلمنا عن حلول مبتكرة سابقا في مقالاتنا مثل إحضار رؤساء تنفيذيين دوليين، وتدار الجامعات بحوكمة احترافية، وجعل مدير الجامعة منصبا شرفيا. وأيضا تكلمنا عن فشل بعض تجارب مجالس الأمناء التي صارت شبه (شد لي واقطع لك). إن الترهل وعدم الكفاءة وعدم وجود المؤهلات المطلوبة في العديد من الجامعات، تحتاج حلا جذريا حتى لو كان مؤلما للبعض في بدايته، فلا أعتقد أن التعليم شركة بحد ذاته أو يدار كشركة، لكن الجامعات حاليا تشبه إلى حد ما شركات متعثرة ومتعسرة، تحتاج إعادة هيكلة كلية، وتسريح العديد من المسؤولين ! دائما نكررها، قطاعان لم يلحقا بالركب مع بقية القطاعات التي تطورت مع الرؤية ودعمها، الجامعات والسفارات، وكلاهما التغيير فيهما بطيء وتوجد فيهما بعض العقليات التي عفا عليها الزمن وليست قادرة على مواكبة الرؤية، ويحتاجان تجديدا للدماء والأهم الأفكار ! ونرجع الآن إلى عنوان المقال، نكتب عن الفساد منذ أكثر من عقد وأرى بوضوح تغير الصورة 180 درجة، سابقا كانت تأتينا التهديدات والتحذيرات، فالتهديدات من الفاسدين ومن في مدارهم وأنهم واصلون ويقدرون يسوون ويسوون، وكانت تأتينا التحذيرات من بعض المحبين أو الزملاء، انتبه لنفسك وأن الفساد جزء من المجتمع ولا يمكن إزالته وأن مطالباتك بمحاربة الفساد غير واقعية، وأنك لا بد أن تتعايش مع المجتمع، ولكي تتقدم لم لا تغض الطرف عن بعض الفساد. إلى أن أتى عهد شيخنا وملكنا الملك سلمان - (أبو فهد) الله يحفظه - وجاء محارب الفساد الفذ ولي العهد (أبو سلمان) وتغيرت الصورة. ما عاد تأتينا تهديدات مثل قبل (أنت ما تعرف من أنا! أو نقدر نسوي ونسوي)، حتى بعض الزملاء ما عاد يقول لنا خفف عيار الكتابة عن الفساد! الآن الذي يخاف هو الفاسد وشلته، وينتظرون متى تطبق عليهم هيئة الفساد ! وكل فاسد بيجيه الدور! نقلا عن الوطن