يعاني معظم الأطباء، عدم وجود قواعد شرعية فقهية لتنظيم عملهم ومحاسبة المخطئ منهم، إذ لا تزال الممارسة الطبية تفتقر إلى علماء شرعيين أكفّاء ومطلعين، ليعيدوا كتابة قواعد وأسس شرعية ثابتة لتنظيم مهنة الطب، والحفاظ على حقوق الأطباء وحقوق المرضى، في الوقت نفسه، دون جورٍ أو ظلم لأحد الطرفين، ولا تزال قضايا الأخطاء الطبيّة تخضع للإعلام والإعلاميين، الذين يطرحون مثل هذه المشاكل على العامة، يؤجّجون العواطف، ويثيرون النعرات، فتهيج غرائز الناس الذين يكتبون معلقين على تلك الأخبار بطريقة استفزازية، غالباً ما يكون الطبيب هو المعني بالاتهامات، المترافقة بالسباب والشتائم. للأسف الشديد، لم تقم حتى اللحظة أيّة لجنة شرعية متخصصة بكتابة فقه شرعي للممارسة الطبية، وهي فتاوى متغيّرة ومتبدلة من بلدٍ لآخر ومن قاضٍ لآخر، تتفاوت فيها الآراء والأفكار بحسب الظرف والمكان، لا يوجد ضوابط شرعية مُعتمدة يمكن الارتكاز عليها، واعتمادها كقواعد يمكن الرجوع إليها، علماً بأنّ أيّ مريض -في أيّ بلدٍ عربي- يستطيع أنْ يُسيء لأيّ طبيب، بينما الطبيب لا يجد من يُنصفه، ويُعيد له حقه إذا تبيّن أنّ تلك الشكوى كيدية، كان القصد منها الإساءة له. لا يدرك البعض، بأنّه رغم تقدم الطبّ فإنّ الكثير من الأمراض والإعاقات لا يستطيع الطب أنْ يعالجها، ولا يملك الأطباء أيّة أدوات طبية للسيطرة عليها، ولا تزال الكثير من الأمور المبهمة التي لا يعرف العلماء شيئاً عنها في جسم الإنسان، كما أنّ الإمكانات الطبيّة تتفاوت من بلدٍ لآخر، ومن طبيب لآخر، فما هو ميسّر في مكانٍ ما، قد لا يتوفر في مكانٍ آخر. الكثير من القواعد الفقهية يتم تطبيقها في مجالات متعددة، ولا يقبل البعض تطبيقها في الممارسة الطبية، فالقاضي إذا أخطأ له أجرٌ، وإذ أصاب له أجران، وإذا كان حكمه غير موفق، لا تتم محاسبته، ويُعذر ويُقال إنّه اجتهد فأخطأ، رغم أنّ خطأه قد يؤدي إلى إقامة حدٍ، بينما لا يعترف أحدٌ بأنّ هذه القاعدة الفقهية تصلح أيضاً في الممارسة الطبية، فالطبيب قد يُخطئ دون أنْ يكون هذا إهمالاً أو تفريطاً، بعد أنْ استعان بخبرته واجتهاده، لكنّ الأنظمة والقوانين لا تعترف بذلك، وتطالبه أنْ يكون -دائماً- على صواب، وإلّا فإنّ العقوبة تنتظره. يدخل أحد الشركاء مع شريكة في صفقة تجارية، ويتفقان على تقاسم الربح والخسارة، ويعترفان بأنّ في الأمر غنُم أو منفعة، ولكنّه قد يؤدي -أيضاً- إلى غُرُم؛ أيْ: خسارة، فيوافق الشرع، ويعترف بصحة العقد فيما بينهما ويعتبره جائزاً، بينما لا يقبل البعض تطبيق هذه القاعدة الشرعية في الممارسة الطبية، يعتبرون كل أذى يحصل للمريض بسبب العلاج، ينطبق عليه القاعدة الفقهية الأخرى (الخَراَجُ بالضمان)؛ أيْ: أنّ النفقة والخسارة تقع على الشخص الأكثر منفعة، وبما أنّ الطبيب يأخذ أجراً على ذلك لذلك فهو ضامن، بينما المنفعة الحقيقية هي للمريض. نقلا عن الجزيرة