الهدف الأساسي من هذه المقالة هو اقتراح حل عملي لنقد التصرف في التفكير المنغلق، فالتفكير المنغلق هو عدم الرغبة أو عدم القدرة على الانخراط (بجدية) مع الخيارات الفكرية ذات الصلة، بينما الدوغماتية هي نوع من العقلية المنغلقة: إنها عدم الرغبة في الانخراط بجدية مع البدائل ذات الصلة للأفكار التي يحملها المرء، ويرفض التنازل عنها مهما ثبت العكس. لو راجعنا تاريخنا القصير مع المتغيرات المتسارعة، وأحصينا عدد المرات التي تنازلنا عن مواقف في غاية الشدة من المستجدات، لربما فهمنا ماذا يعني الانغلاق، والقصور المعرفي يأتي عندما لا يعترف المرء أن حوائط التشدد انهارت أمام تحديات العصر، وحاول البعض أن يلحق بالركب على استحياء من أمره السابق، لكنه لم يتغير في موقفه العقلاني المنغلق ضد كل جديد. الانغلاق وبناء جدران وحيطان حول العقل هو وسيلة للهروب من مواجهة المتغيرات، وهو ما حدث لبعض الجماعات الإسلامية، فرفضها للعصر والمتغيرات المعرفية جعل منها في حالة من العزلة والانطواء حول الذات، وهو ما ضعف قدرتهم على السيطرة على المجتمع، الذي تجاوزهم كثيراً، ومع ذلك ما زالوا يزايدون في حدة الانغلاق. لو تتبعنا تاريخ المسلمين منذ القرون الأولى لاتضحت الصورة، فقد كان الاختلاف سمة إيجابية في القرن الأول والثاني، ولكنهم ابتعدوا عنها بعد تدخل السياسة في فرض مذاهب ضد أخرى كما حدث مع الوثيقة القادرية، وهي وثيقة أصدرها الخليفة العباسي القادر بالله سنة 408ه، حددت المعتقدات التي يجب على المسلمين اعتقادها، وتمنع معتقدات أخرى تحت طائلة العقوبة والنكال، وقد منعت هذه الوثيقة الاجتهاد؛ فكانت السبب في تأخر المسلمين؛ وهو تأخر ما زال إلى اليوم، فقد تم اعتماد المذهب الأشعري ليكون مذهب الدولة، وهو ما يفسر توسع انتشاره بين المسلمين. قبل ذلك كان الاختلاف مقبولاً في المذاهب، وكانت الدول في منأى عن خلاف الفقهاء ورجال الدين، وكان يدخل في حرية الاختيار، ولم يكن مصحوباً بعنف أو إقصاء، والدليل ما نلمسه من احترام بالغ في كتب الأولين للأقوال الأخرى، وهو ما يعني أننا في هذا العصر نعيش التأثيرات السلبية جداً لمرحلة فرض الأفكار من أعلى.. لم يأت الدين بانغلاق العقل، لكن فتح الباب للتفكير والتدبر في الكون، لكن اختلاف بعض المتطرفين وتدخل السياسة جعل منه كذلك، ولك أن تتخيل حجم الكراهية الموروثة بين المذاهب المعاصرة، وحجم الدمار في الدول العربية، والتي تأثرت بالانشقاق المذهبي، في العراق واليمن وسوريا ولبنان. السؤال الذي يفرض نفسه، كيف نخرج من هذا الحجيم، وهل يصلح الزمن ما أفسده السياسي زمن طويل جدًا، فالعقول أصبحت أسيرة لمقولات لا تمت بصلة للدين الحنيف، ولكن تعصبات لرجال دين أو مجتهدين أو متطرفين، ووجه الدهشة أن المتطرف الذي يميل إلى ذهنية التحريم هو بالفعل أكثر مصداقية عند العوام من العالم المعتدل والمتسامح، وذلك له علاقة بالعقل، فالتفكير الدوغمائي في العقول يفضل التطرف والحدية من الأشياء من حوله. كيف نخرج من هذا النفق المظلم؟ أعتقد أن الأمر يحتاج معجزة قبل الدخول في حروب دينية لا نهاية لها، وهو ما تغذيه أنظمة الملالي والفقهاء، وتأتي إيران ومن يتبعها في رأس القائمة، ولا استثني القراءات المتطرفة عند بعض فرق السنة، والذين كانوا ردة فعل للثورة الدينية في إيران.. الخروج الأول يشترط سقوط دول الملالي في إيران، وتأسيس مجتمع مدني على أسس حقوق الإنسان مهما اختلف مذهب الإنسان وعرقه، ولو حدث ذلك قد تخرج بعض الدول العربية من أزمتها مثل العراق واليمن، وعندها تقل حدة التطرف السني في مواجهة التغلل الإيراني في الدول العربية. لنشرح لأجيال المستقبل ماذا يعني انغلاق العقل، وكيف يصوره البعض على أنه فضيلة وتقرب لله عز وجل، وهي رسالة خاطئة ومبطنة للسيطرة على العقول ثم شل قدرتها عن التفكير، فهل نخرج من هذا الانغلاق من خلال سياسة العقل المنفتح، أم أن نجعله غطاء واقياً، تجري من تحته الرغبات والمتع الزائلة.. نقلا عن الجزيرة