العالم سوف يتغيَّر بعد أزمة كورونا، هذا أمر حتمي لا جدال فيه.. عادات ستنتهي وأخرى ستنشأ.. أفكار ستتغير..حكومات ستسقط واقتصادات ستترنح، وتحالفات قد تتفكك.. باختصار هناك عالم مختلف آخذ في التشكُّل اليوم، وهذا التشكُّل يزداد تسارعاً مع كل يوم تتأخر فيه الإنسانية عن إيجاد لقاح وعلاج يكبح جماح هذا التآكل الذي أسقط وهم السيطرة البشرية على الكوكب.. إنه باختصار عالم ما بعد كورونا!. . هل تُغيِّرنا الأوبئة؟!، الإجابة بالتأكيد نعم. فالأزمات تترك أثراً في البشر الذين عايشوها، وتُغيِّر جوانب كبيرة من قناعاتهم وعاداتهم وسلوكياتهم وشخصياتهم وربما عقائدهم.. بل إن تأثيرها قد يمتد ليصل أجيالاً قادمة قد لا تعرف عن ظروف الوباء الذي أصاب أسلافهم غير اسمه فقط، كحالي وحالك اليوم مع وباء الجدري مثلًا. . اللافت أن الرعب الذي تسببه الأوبئة يكون أكثر أثراً على الإنسان من الوباء نفسه، خصوصاً إن كان الوباء غامضاً وسريعاً كما في حالة (كوفيد 19 (فيصاب الكثيرون بالشك والخوف والريبة من كل شيء.. هذه الحالة هي ذات الحالة التي أسماها الإنجليزي (توماس هوبز) «حرب الكل ضد الكل».. إنها الحرب التي لا يحكمها عقل ولا منطق، والتي غالباً ما تتسبب في انحدار الإنسان من «وهم» الحضارة إلى حظائر البدائية.. الحرب التي يجلس فيها المنطق في المقعد الخلفي، تاركاً عجلة القيادة ل «اللاعقلانية»، فيُقدم الإنسان على فعل ما كان يُنكره ويرفضه من عقائد وأفكار وسلوكيات حتى وإن كانت تخالف عقله وقناعاته.. إنه يفعل هذا فقط من أجل نجاته وإن على حساب الآخرين!. . الخطير أن هذه الأجواء التي يتوارى فيها العقل لصالح غريزة البقاء تعد أجواءً مثالية للدجالين والمزيفين وتجّار الخرافة الذين يغتنمونها من أجل تحقيق أهدافهم من المال والشهرة.. وإذا كنا في المنطقة العربية قد سمعنا بمن أعلن بشكل مضحك أنه اكتشف علاجاً للفيروس المرعب مثل (الزنداني، والأنصاري) فان هناك من يمارسون هذا الدجل في الخفاء، منهم من يلصق ادعاءاته بالطب النبوي مستغلاً الحس الديني عند الناس، ومنهم من ينسبها إلى الطب البديل، وثالث يلحقها بالتجربة الإنسانية. هذا الخروج من العقلانية إلى اللامنطق، ليس حكراً على مجتمعنا فقط، ففي الصين لجأ 85 %من الصينيين الى العلاج الشعبي لمواجهة كورونا، أما في الهند، فقد أقامت جماعة هندوسية حفلًا جماعيًّا لشرب بول البقر -أجلَّكم االله- اعتقادًا منهم أنه يمنع الإصابة بالفيروس الذي عجز عنه العلم!. . أوقات الأزمات الكبرى والخوف الغامض هي أكثر الأوقات قبولاً لتغيير الثوابت، وخلخلة القناعات إن سلباً أو إيجاباً، إنها الأوقات التي يتوارى فيها العقل أو قل يتعامى عن الحقائق لصالح الغرائز.. والأهم إنها الفرصة الأفضل لبائعي الوهم من أجل نشر بضاعتهم. فلا يجعلك خوفك أحد ضحاياهم نقلا عن المدينة