مع مطلع العام الجديد 2020 رحل السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور عن دنيانا بعد معاناة مع المرض، وبعد أن حكم سلطنة عُمان لمدة تقرب من نصف قرن لتنتهي معه فترة ثالث أطول حكّام العالم بقاءً في السلطة (بعد ملكة بريطانيا وسلطان بروناي)، ويسجّل التاريخ الحديث للسلطان قابوس «صديق الجميع» مهارته في العبور ببلاده عبر أمواج التقلّبات السياسيّة، واتباع سياسة عدم الانحياز المباشر لأي طرف. كان السلطان قابوس على علاقة جيدة مع طهران الشاه، وطهران الملالي، مع أن جدّه الأول أبا هلال أحمد البوسعيدي مؤسس الدولة البوسعيديّة كان قد طرد الفُرس من عُمان وبنى مجده وحكمه بانتصاره عليهم وطردهم من عُمان، ويسجّل العُمانيون للسلطان قابوس تحويل عُمان إلى دولة حديثة بعد أن تسلّم الحكم من والده سعيد بن تيمور سنة 1970. وتعطي المواقف العُمانيّة المعلنة في عهد السلطان «قابوس» مؤشرات تؤكد أن سياسة السلطنة ارتكزت على عدم التدخل في الشؤون الداخليّة للدول العربيّة والخليجيّة، وأنّها تتجنّب التحالفات والمحاور الإقليميّة، وهذه السياسة يؤكدها الخط السياسي للسلطنة التي لم تقطع علاقاتها بالسادات بعد كامب ديفيد 1978، وسياسة الحياد العُمانيّة طيلة الحرب العراقيّة - الإيرانيّة، وبقاء السفارة العُمانيّة تعمل في طهران وبغداد، وقد استقبل السلطان «قابوس» موجة الربيع العربي مطلع 2011 بحزم دون ضجة، وتعامل مع ملفات المنطقة مثل الصلح مع الإسرائيليين، وملف أزمات سورية واليمن والعراق والأزمة الخليجيّة من منظوره الخاص جداً. واليوم يأتي تنصيب السلطان هيثم بن تيمور (66 عاماً) خلفاً للسلطان «قابوس» ليصبح بذلك السلطان «التاسع» في تسلسل سلاطين أسرة البوسعيد التي تعد من أقدم السلالات الحاكمة في المنطقة (بدأ حكم البوسعيديين سنة 1749)، ويتسلّم السلطان «هيثم» مسؤوليّة الحكم مسلحاً بخبرة طويلة وشهادة أكاديميّة رفيعة بوصفه خريج جامعة أكسفورد البريطانيّة في العام 1979، وكان السلطان هيثم قد تولى ملف رؤية عُمان 2040 التي أكد في أكثر من محفل أن رؤية بلاده تركز على الإنسان العُماني والتنمية الشاملة القائمة على مبدأ اللامركزيّة. وحيث من المبكّر تحليل اتجاهات السياسة العُمانيّة في عهدها الجديد إلّا أن «السلطان هيثم» المعروف بأنه قليل التصريحات، أكّد إثر تسلمه الحكم أهميّة المحافظة على العلاقات الوديّة مع كل الدول، وتعزيز السياسة الخارجيّة العُمانيّة القائمة على التعايش والسلام. * مسارات قال ومضى: «لا تغضب ولا تعارض ففي السياسة (كل شيء) قابل للتفاوض». نقلا عن الرياض