هذا البلد (المملكة العربية السعودية) بلد فريد عندما نتحدث عن النفط، خصوصاً عندما نرى ذلك الكم الهائل من الحقول النفطية التي تتجاوز 100 حقل نفطي، ونرى كيف اجتمعت الظروف الجيولوجية لتخلق ذلك التكوين الجيولوجي العملاق الذي لا يضاهيه أي تكوين آخر في العالم، وهو حقل الغوار أكبر حقل نفطي على اليابسة في العالم. ونحن على مشارف الاحتفال بالذكرى 89 للعيد الوطني في المملكة، يجري العمل حالياً فيما يشبه المعجزة لإعادة الإنتاج النفطي بسواعد وطنية في منشأة بقيق النفطية بعد تعرضها لاعتداء خارجي. وأقول معجزة لأن إعادة الإنتاج في هذا الزمن القياسي معجزة زمنية. في بداية الاعتداء خرجت تقارير كثيرة من جهات بحثية توقعت أن يعود الإنتاج في فترة أربعة إلى ستة أسابيع على الأقل، فيما ذهبت بعض الجهات إلى احتمالية أشهر، ولكن إعلان وزارة الطاقة عن عودة الإنتاج بنهاية شهر سبتمبر (أيلول) الحالي كان أمراً غير متوقع. ولأننا نؤمن بالعلم، فلا نريد الركون إلى المعجزات، إذ لكي تتحقق المعجزات يجب أن تتوافر عوامل مناسبة وظروف معينة. لم تكن المعجزة السعودية في إعادة الإنتاج ستتحقق من دون وجود شركة بترول نفطية مثل أرامكو السعودية لديها خبرة طويلة في الإنشاءات وإدارة المشاريع والعمل مع مئات المقاولين. وإذا اعتبرنا ظهور المملكة معجزة نفطية جيولوجية، فأنا أريد الرجوع قليلاً إلى الوراء تاريخياً للحديث عن أمور أخرى مرتبطة بتاريخ المملكة النفطي أسهمت في جعلها معجزة نفطية. إن أولى هذه المعجزات توحيد وإنشاء المملكة العربية السعودية في عام 1932. ورغم وجود الحقول النفطية منذ الأبد، فإن القدر شاء أن يختار الدولة التي أنشأها الموحد الملك عبد العزيز آل سعود (ابن سعود) لتكون هي التي يتم في عهدها اكتشاف المعجزة النفطية السعودية. لم تكن السعودية هي أول دولة يكتشف بها النفط في الشرق الأوسط أو الخليج العربي، إذ إن إيران أعطت أول امتياز لها في عام 1901 إلى ويليام نوكس دارسي، وتم اكتشاف النفط بها في عام 1908 في حقل مسجدي سليمان، أي قبل اكتشافه في المملكة بثلاثين عاماً. تم اكتشاف النفط في البحرين قبل المملكة كذلك، بل كان امتياز البحرين إلى شركة سوكال (شيفرون حالياً) هو ما شجع الشركة على التفكير في البحث عنه في السعودية. ولكن القدر لم يكن ليقف مع ابن سعود حينها من دون مبررات. لقد كان الملك يبحث عن مصادر دخل جديدة لدولته الناشئة، خصوصاً مع الكساد الكبير الذي ضرب الاقتصاد العالمي في الثلاثينات وأدى إلى تراجع مداخيل الدولة من الحج والعمرة، إذ إن كثيراً من الحجاج في دول مختلفة كانوا يعانون اقتصادياً جراء الكساد الكبير. وحتى بريطانيا - التي كانت تساعد دول الخليج مادياً في ذلك الوقت لكسب ولاءات حكامها - كانت تعاني من الكساد، ولم ترد حكومتها الإفراط في الدفع لحكام الخليج. إن همة ابن سعود جعلته يطلب من مستشاره فيلبي التخاطب مع الشركات الأجنبية للبحث عن النفط في أراضيها، كما فعلت البحرين، ومن هنا بدأت حكاية المعجزة النفطية السعودية التي نعيشها إلى اليوم. إن وجود قيادة حكيمة ودولة مستقرة تبحث عن موارد اقتصادية أمر ضروري لاستقطاب المستثمرين من الخارج لها. وهذا ما وفره ابن سعود الذي أحاط نفسه كذلك بكمية من المستشارين العرب والأجانب أسهموا كثيراً في تشكيل وعيه الإداري والسياسي. وما أشبه اليوم بالبارحة. فنحن اليوم نشهد البحث نفسه من قبل القيادة السعودية عن مصادر دخل أخرى للتعامل مع أزمة مصدر الدخل الرئيسي، الذي كان في السابق الحج والعمرة واليوم هو النفط. ونحن في انتظار معجزات اقتصادية سعودية أخرى لن تكون طبيعية هذه المرة، بل ستكون معجزة قائمة على العلم والتطور والإبداع البشري... وكلنا في انتظار أن يظهر الحل كما ظهر لنا في السابق في صورة نفط. نقلا عن الشرق الاوسط