شملت جهود الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود في تأسيس المملكة العربية السعودية وبنائها، كثيرا من مظاهر الحياة حينذاك السياسية، والإدارية والاقتصادية والاجتماعية حيث وضع أسسها ومبادئها على تأسيس دولة حديثة،فمنذ أن أسس المملكة بدأت قصص أخرى ومنها تاريخ اكتشاف وتطوير احتياطيات الطاقة الضخمة التي لم يعرف العالم مثيلاً لها من قبل، وتحول المملكة السريع من مملكة صحراوية إلى دولة حديثة. ومنذ نشأت أرامكو السعودية استطاعت أن تتحول من مجرد شركة منتجة للزيت إلى مؤسسة عالمية للطاقة متكاملة تمامًا تقيم شراكات في أمريكا الشمالية وأوروبا والشرق الأقصى. وعلى مدى تاريخها حققت الشركة سجلاً منقطع النظير من الموثوقية، ولا تزال ملتزمة بتوفير الطاقة للعالم، وتعظيم قيمة الاحتياطيات النفطية في البلاد بما يحقق الخير لشعب المملكة. في أوائل الثلاثينيات من القرن الميلادي المنصرم زاد الاهتمام بالنفط الموجود والمحتمل في منطقة الخليج العربي بشكل كبير. وهو اهتمام شجعت عليه الاكتشافات النفطية في بلاد فارس والعراق والبحرين. وبعد التوقيع على اتفاقية الامتياز للتنقيب عن النفط في المملكة العربية السعودية سارعت شركة ستاندرد أويل كومباني أوف كاليفورنيا لاستكشاف هذه المنطقة المترامية الأطراف، ونقلت ما يلزم من رجال ومواد لبدء أعمالها في المملكة. وفي 29 مايو من عام 1933م، تم توقيع اتفاقية الامتياز للتنقيب عن البترول بين حكومة المملكة وشركة ستاندرد أويل أوف كاليفورنيا (سوكال). وفي 8 نوفمبر من نفس العام تم إنشاء شركة تابعة هي شركة كاليفورنيا أريبيان ستاندرد أويل كومباني (كاسوك) لإدارة الامتياز. وقد أتم كل من «شويلر ب. كروق هنري و»ج. و»سوك هوفر» عملية المسح وقاما بإعداد خريطة هيكلية لقبة الدمام، موقع اكتشاف أول حقل نفطي في المملكة العربية السعودية. وكان الجيولوجيون الأمريكيون الأوائل اعتمدوا على البدو الرحل لإرشادهم من مكان إلى آخر. وكان أشهر هؤلاء المرشدين خميس بن رمثان المتحدر من قبيلة العجمان، فقد كانت مهارته في اقتفاء معالم الصحراء أمراً لا غنى عنه، وقد استطاع أن يذهل الجيولوجيين بمهاراته تلك. كما وصلت الطائرة فيرتشايلد 71، المعدلة خصيصًا للتحليق لمسافات طويلة والتصوير الجوي، إلى مدينة الجبيل في عام 1934م. وقد أسهمت هذه الطائرة بشكل كبير في اختصار الوقت المستغرق لرسم خريطة لمنطقة الامتياز التي تعادل في مساحتها مساحة ولايتي لويزيانا وتكساس مجتمعتين. وقد ساعد ديك كير، قائد الطائرة والجيولوجي في الوقت نفسه، في رسم خريطة للجزء الأكبر من منطقة الامتياز في عامي 1934 و1935م. وفي عام 1935م تم في هذا العام حفر أول بئر اختبارية في الظهران في قبة الدمام. كما تم تشييد رصيف إرساء في الخبر، بما يسمح بتسليم المواد والإمدادات لإرساء البنية الأساسية التي تحتاجها الشركة الجديدة. وقد مثلت أعمال إقامة هذا الرصيف باكورة الجهود الرئيسة التي بذلتها الشركة لتوظيف السعوديين. وفي عام 1936م استحوذت شركة تكساس (التي أصبحت الآن شركة شيفرون) على حصة بلغت 50% من امتياز سوكال. يرتكز نجاح المشروع البترولي السعودي على بئر الخير، البئر رقم 7. فبعد خمس سنوات من الحفر غير المثمر، بدا أن البئر رقم 7 ليست سوى طريق مسدود آخر. وعليه طلب رؤساء الإدارات في سوكال المشورة من الجيولوجي الشهير ماكس ستاينكي، الذي أشار عليهم من واقع سنوات عمله الميداني في الصحراء السعودية ومعرفته الموسوعية بأن يستمروا في الحفر. وأخيرًا، وتحديدًا في 4 مارس من عام 1938م بدأت بئر الدمام رقم 7 إنتاج 585ر1 برميل في اليوم على عمق 1.5 كيلومتر تقريبًا. في شهر مايو من عام 1939م توجه جلالة الملك عبد العزيز رحمه الله - إلى رأس تنورة لحضور احتفال بمناسبة تصدير أول شحنة من الزيت الخام من المملكة العربية السعودية على متن السفينة د. جي. سكوفيلد، التي سميت على اسم أحد مؤسسي سوكال، التي كانت حمولتها تساوي 1/20 من حمولة أية ناقلة عملاقة حديثة. وفي الأربعينيات من القرن الماضي تطورت شركة كاسوك، التي عرفت باسم «أرامكو» عام 1944، بشكل مطرد من شركة صغيرة تدير امتيازا نفطيا واعداً إلى شركة حديثة عالية الأداء، تتمتع بقوة عمل مزدهرة ومتعددة الجنسيات. وبحلول عام 1940م عينت كاسوك 229ر3 سعوديًا و363 أمريكيا و121 موظفًا أجنبيًا آخر، بينما بلغ متوسط الإنتاج اليومي نحو 15 ألف برميل. وتهيأت الشركة في ذلك الحين لتصبح واحدة من كبريات الشركات المنتجة للزيت في العالم. أما في الخمسينيات مثل هذا العقد أهمية بالغة للمملكة ولأرامكو، حيث تطورت الشركة من مرحلة التنقيب الأولى لتصبح مركزا مهما لإنتاج الزيت لتلبية الطلب المتنامي عليه في أنحاء العالم، فقد بلغ إنتاج الشركة في ذلك الحين 500 ألف برميل في اليوم. وفي هذه الأثناء تولى السعوديون وبشكل متزايد مناصب إدارية في الشركة. وفي نهاية عقد الخمسينيات تم انتخاب اثنين من السعوديين للانضمام إلى مجلس إدارة الشركة. فيما شهدت حقبة الستينيات ارتفاع وتيرة الإنفاق على أعمال التحديث والتطوير. وبلغ حجم الإنتاج مليوني برميل في اليوم. وزاد حجم الدعم المقدم لتطوير الموظفين السعوديين مع إنشاء كلية البترول المعادن في عام 1963م، التي أصبحت فيما بعد جامعة الملك فهد للبترول والمعادن. وفي حقبة السبعينيات زاد الإنتاج السنوي من الزيت الخام بأكثر من الضعف في السنوات الأربع الأولى من هذا العقد. وفي غضون خمس سنوات زادت الأيدي العاملة إلى الضعف تقريبًا. وبحلول أواخر السبعينيات كانت أرامكو تدير ثلاثة من أكبر المشروعات في العالم في وقت واحد. واكتسبت أرامكو هوية جديدة بالتزامن مع بدء حكومة المملكة عملية الشراء التدريجي للشركة، وتبوأت الشركة مكانها في قلب المشهد العالمي للطاقة. ودفع التراجع العالمي في أسعار الزيت في فترة الثمانينيات الشركة إلى إعادة تنظيم أعمالها وتقليص حجمها. وعلى الرغم من الانكماش الاقتصادي شهدت أرامكو تحولاً كبيرًا تمثل في تملك الحكومة السعودية للشركة بالكامل، وافتتاح مركز التنقيب وهندسة البترول، وتعيين الأستاذ علي بن إبراهيم النعيمي باعتباره أول رئيس سعودي لأرامكو. وبحلول نهاية العقد كان جميع أعضاء الإدارة التنفيذية العليا من السعوديين، بينما بلغت نسبة الأيدي العاملة السعودية في الشركة 73%. وقد كان العقد الأخير من القرن المنصرم هو عقد الابتكار والاستثمار. وشهد هذا العقد، أيضا، دورا عالميا متناميا للمملكة والشركة. كما شهدت فترة التسعينيات صراعا دوليا في منطقة الخليج. وقد مضت الشركة، وسط كل ذلك، قدمًا في إقامة علاقات دولية ترمي إلى تعزيز أعمالها والتعامل مع بعض أكثر التقلبات دراماتيكية في أسعار النفط العالمية خلال جيل واحد. ومع الألفية الثانية بدأت أرامكو السعودية إنتاج البتروكيماويات بالتعاون مع شركاء دوليين والحصول على ما يكفي من براءات الاختراع لتسجيل رقم قياسي للشركة. كما أنجزت أكبر برنامج توسعي رأسمالي في تاريخها. وحاز التنقيب عن الغاز الطبيعي والإنتاج على مزيد من الاهتمام. وبصفتها شركة طاقة عالمية متكاملة تمامًا تتمتع بشراكات في جميع أنحاء العالم، تعمل أرامكو السعودية على الوفاء بالعهد الذي قطعته المملكة على نفسها منذ أمد بعيد والمتمثل في ضمان استقرار سوق النفط العالمية وموثوقية الإمدادات للمستهلكين. أما بداية العقد الثاني من الألفية الثانية فأخذت تسعى استراتيجية الشركة المستقبلية إلى توسيع أعمال المعالجة والتكرير وتوفير قيمة أكبر للموارد الطبيعية التي تتمتع بها المملكة. ويظل عنصرا الابتكار والشراكات يشكلان حجر الزاوية فيما تقوم به أرامكو السعودية من أعمال، وهي بذلك تعزز كفاءة أعمالها ودمج المهارات المتخصصة والتقنيات والكفاءات التي أثبتت نجاحها بما فيه صالح طرفي المشاركة. كما تظل الشركة ملتزمة بكونها المورد الأكثر موثوقية للطاقة لعملائها في جميع أنحاء العالم.