لا بد أن الكثير سمع باحتفالات صيف المفتاحة وشتاء الطنطورة. البعض من المهتمين يدرك ما يعنيه هذان الاسمان أو النشاطان إن صح التعبير، ولكن قد يغيب عن البعض كثير من المعلومات المهمة عن هذه الفعاليات التي تقام سنوياً، خاصة في صيف المفتاحة، أما شتاء الطنطورة فلا بد أن الكثير يدرك ما يعنيه هذا المسمى، لهذا السبب سأتطرق بشكل مختصر لشيء من المعلومات عن منشأ هذين الحدثين وما يقدم فيهما، ولتكن البداية من الحدث الأول. المفتاحة قرية سياحية تقع في مدينة أبها، تعكس الطراز المعماري المستمد من تراث منطقة أبها بشكل خاص والمنطقة الجنوبية بشكل عام، يوجد في هذه القرية التراثية مسرح يعتبر من أكبر المسارح العربية، إذ يتسع لأكثر من ثلاثة آلاف مقعد، تقام على هذا المسرح فعاليات سنوية منذ أن تم افتتاحه عام 1997، تشمل المحاضرات والندوات والأمسيات الشعرية والمسرحيات. اشتهر هذا المسرح بحفلات ليالي أبها بدءاً من العام 1998. غنى على خشبته عدد من الفنانين السعوديين والخليجيين، من أشهرهم طلال مداح الذي توفي بسكتة قلبية عام 2001 على هذا المسرح. كذلك أبدع فيه الكثير من الفنانين مثل الفنان الكبير محمد عبده، والفنانة وعد، التي أحدث وجودها ضجة كبرى بين مؤيد ومعارض. ولأن الشيء بالشيء يذكر فقد كان للأمير الشاعر خالد الفيصل اليد الطولى في إحياء صيف المفتاحة وليالي أبها. هذا باختصار عن المفتاحة؛ فماذا عن شتاء الطنطورة؟ عند الحديث عن شتاء الطنطورة قد يتساءل البعض عن مصدر هذا الاسم. يقال إن الطنطورة أثر قديم، مبني من الطين، هدفه تنظيم السقاية بين مزارعي المنطقة الذين اتفقوا على استعمال ساعة شمسية تحدد المواقيت لتوزيع المياه بينهم، لكي لا تحدث مشادات وخلافات قد لا تحمد عقباها، هذه الساعة (الطنطورة) تحدد بدقة متناهية دخول فصل الشتاء، إذ يجتمع الأهالي للاحتفال بقدومه والعودة لمزارعهم وحقولهم في بداية فصل الشتاء. من هنا جاءت تسمية شتاء الطنطورة، الذي انطلقت فعالياته هذا العام بإشراف من هيئة تطوير منطقة العلاء، المشهورة بتراثها التاريخي الضارب بالقدم.. مهرجان شتاء الطنطورة هذا العام قدم العديد من الفعاليات، التي جاء من بينها استضافة عدد من نجوم الفن بالعالم مثل ماجدة الرومي وكاظم الساهر وماجد المهندس وفنان الأوبرا الشهير بوتشلي والموسيقار عمر خيرت وحفل أم كلثوم الذي قدم بتقنية الهولوجرام. أيضاً شهد هذا المهرجان تكريم الفنان عبدالكريم عبدالقادر بحضور الفنانين راشد الماجد وماجد المهندس وغير ذلك كثير. مما سبق يتضح أن مهرجان ليالي أبها يتصف بالصبغة المحلية والخليجية، بينما يأخذ شتاء الطنطورة الصبغة العالمية. هنا خطرت بالبال فكرة محاولة نقل بعض ما يقدم في ليالي أبها إلى شتاء الطنطورة والعكس بالعكس. تقديم جزء من تراثنا الغني والمتنوع مع الفنون العالمية سيعرّف العالم بنا أكثر. انطلاقاً من هذه الفكرة أود أن أشير إلى ورقة قدمت خلال الملتقى الثقافي بمدينة الرياض، الذي يشرف عليه الأستاذ الدكتور سعد البازعي الأربعاء 27 شباط (فبراير) 2019 بعنوان: «قراءة تحليلية للمشهد في الفلامنكو»، هذه الورقة قدمها كل من الدكتورة تهاني الغريبي ورباب خضري، تمت الإشارة إلى تاريخ الفلامنكو وكيفية انتقال هذا الفن من شمال الهند إلى القسطنطينية وعدد من دول أوروبا قبل أن يستقر في نهاية المطاف بإسبانيا، إذ اشتهر وتطور وأنشئت له المعاهد التي انتشرت ليس في إسبانيا فحسب، بل في عدد من دول أوروبا وأميركا. قدمت الورقة شرحاً مفصلاً عن هذا الفن وما يعنيه من حركات راقصة وغناء مصاحب لتلك الحركات. نحن في المملكة العربية السعودية لدينا تراث منوّع يختلف من منطقة إلى أخرى، لدينا «الدحة» في الشمال التي سلب منها مقومها الأساسي في فترة من الفترات، ولدينا في الجنوب رقصة «الخطوة» والتي يجمع بينها وبين الدبكة الشامية شيء من التشابه، في نجران فن مختلف، وفي جازان أيضاً فنون مختلفة عن المناطق الأخرى، وبين هذا وذاك العرضة السعودية والسامري والهجيني والمسحوب والمزمار وأغاني البحر مثل النهام وغير ذلك كثير. تنوع الفنون في مناطق المملكة غني وغزير، تمتد أصوله لحقب مختلفة من التاريخ، لذلك تحتاج هذه الفنون لدراسات معمقة توضح نشأتها وتفاصيلها من حيث الإيقاع والمعنى، وربط ذلك بإنسان المنطقة التي نشأت بها، قد تقود هذه الدراسات لتطوير وتحديث هذا التراث أو بعضه على أقل تقدير، ليكون تراثاً عالمياً نضاهي به ما لدى الآخرين، ويكون واجهة مشرقة وحضارية لوطننا الغالي. لتحقيق وإنجاز مثل هذا الأمر لا بد من إيجاد أو إنشاء معاهد أو مؤسسات مختصة، يقوم عليها أشخاص من ذوي الخبرة في جميع ما يتعلق بتلك الفنون والتراث وتطويره، تماشياً مع مشروع المملكة وخططها التنموية، وبما يتلاءم مع رؤية المملكة 2030، كذلك يمكن إيجاد شيء مماثل في فصل آخر، بين الشتاء والصيف يحل فصل الربيع فهل نرى في قادم الأيام مهرجاناً ربيعياً ينطلق في منطقة أخرى؟ في الختام.. لا نقول إلا ما يقول الجميع «دام عزك يا وطن». نقلا عن الحياة