نحن أقدارنا في منطقة الخليج خاصة، والشرق الأوسط كما يسمونه عامة، أن نعيش في قلاقل ومشكلات سياسية واقتصادية وحتى دينية ومذهبية بعضها من صنع أنفسنا ومن تراكم أخطائنا، وبعضها من صنع أعدائنا واستغلالهم لما بيننا من خلافات ومشكلات، وليس المقصود أن نكون مجتمعا بلا خلافات ولا مشكلات ولا أزمات. هذه الأماني يصعب تحقيقها وكل عاقل يود لو كان السلام والوئام وصلة الأرحام هي ما يسود حياته ولا شيء غير ذلك، لكن الواقع وطبيعة الأشياء تقول إن المجتمع الحي المتطور الناهض لا بد أن يجد المنغصات في طريقه والصعوبات في معاملاته. بل لعل المشكلات والمصاعب التي يواجهها تكون في بعض الأحيان هي سبب قوته وانتصاره عليها وعلى نفسه، وتصديه لها يقوي قدرته على البحث المثمر والجاد عن حلول ممكنة قد ترفع مناعته ضد الأمراض الاجتماعية التي تصيبه. وبدهي أيضا أن السلامة التي يحبها الناس لها ثمن باهظ يدفعه الجميع ويشارك فيه الصغير والكبير، الرجال والنساء، ولا يعذر أحد ألا يكون على قدر من تحمل المسؤولية بصفته فردا في جماعة، هذه طبيعة الأشياء في كل المجتمعات التي تعرضت للمصاعب السياسية والاقتصادية مثلما نتعرض لها وواجهتها مثلما نواجهها، أو حتى تلك التي تجاوزت الأخطار العظيمة واستقر حالها. الفارق بيننا وبينهم أن مجتمعنا تخلى عن واجبه بصفته مساندا مهما للقرار الذي يتخذ لصالحه وأعطى القوس باريها كما نقول، وباري القوس في هذه الحال هم السياسيون والحكام المسؤولون في كل دول المنطقة، وهم لن يألوا جهدا في أن يعيشوا وتعيش معهم شعوبهم في أمن وسلام وفي رغد واطمئنان. هذا ما لا خلاف عليه. أما ما لا خلاف عليه أيضا فإننا جميعا نواجه قضايا كثيرة ونخوض معارك عنيفة منذ ثلاثين عاما، كل من يحمل أعباءها ويواجه مشاكلها ويسعى لحلها أو التعامل معها هم الساسة، أما المجتمعات والشعوب فقد غابت وغيب رأيها وغيبت مشاركتها حتى وجدانيا وعاطفيا. دعونا نتواضع كثيرا في مطالبنا فلا نطالب بانتخابات ولا أحزاب ولا نقابات ولا تمثيل، نريد فقط أن تبنى القرارات المصيرية على رصد آراء الناس وتحديد اتجاهاتهم ومعرفة أحوالهم واكتشاف واقعهم وما يفكرون به كل ذلك سيساعد صناع القرار على اتخاذ القرار المناسب والأقرب للصواب. يقولون الحكم على الشيء فرع من تصوره، والأمم والدول يهمها المستقبل الذي تنظر إلى قدومه وتخطط ليكون لأفضل من ماضيها وحاضرها، ولا تتخذ القرارات إلا على ضوء تصورها للمستقبل وما يمكن أن يحدث فيه ويجب النظر إليه ولا يصح تصور المستقبل للحكم عليه إلا في حالات قليلة. أولها وأهمها استطلاع رأي الناس جميعهم مهما كان مكانهم في السلم الاجتماعي، ومهما كان تصورهم لمستقبلهم الذي يريدون أن تعيش فيه أجيالهم القادمة حتى تكون القرارات التي تتخذ لصالحهم شاملة وعامة وإن لم تكن صائبة فستكون قريبة من الصواب. وثانيها الدراسات المسحية الحقيقية والاستشرافية التي تحدد ما سيواجه الناس من أخطار وصعوبات وما يمكن أن يحدث في المستقبل سواء كانت اقتصادية أو سياسية أو ثقافية واجتماعية وغيرها مما يبنى تصنيفه وتقويمه ومواجهته على رأي عام شامل يكشف الأبعاد التي تترتب عليه، والنقطة المفصلية في هذه الدراسات يكون محورها وأساسها هو رأي أكثرية الناس باختلاف مشاربهم وتوجهاتهم وليس رأي الخاصة الذي يستضيء به صاحب القرار ويبني عليه رؤيته الشاملة للمستقبل. نقلا عن صحيفة مكة