تشكل اللغة أحد أهم سمات الشخصية الإنسانية، وقد قيل حدثني حتى آراك، فحديث الشخص يكشف هويته وأفكاره وملامحه الثقافية، ولو تأملنا البعد الثقافي العربي واتساعه من الخليج إلى المحيط لأدركنا عظمة وحدة اللغة الثقافية، وقدرتها على اتساع دوائر التواصل بين الشعوب.. الخطأ الذي وقع فيه بعض العرب كان في تقديم العروبة أو الثقافة العربية على أنها قومية أو عرقية، وذلك ليس بصحيح، ولم تثبت الدراسات العلمية وجود أعراق عربية تنحدر من أب واحد، ولكن توجد ثقافة خلقتها ظروف اجتماعية وسياسية ودينية ساهمت في توحيد لغات ولهجات القبائل والشعوب في المنطقة في التواصل من خلال اللغة الفصحى كما تتحدث بها القرآن الكريم.. أحياناً أسمع بعض الشعارت العرقية التي تغذيها القوى الخارجية المسيسة من أجل مصالحها، وأعني بذلك دعوات النزعات الانفصالية الثقافية عند الأكراد وبعض الأمازيغ، وقبلهم القبائل الإفريقية جنوب السودان، وهي دعوات ترسم صورة غير صحيحة عن الثقافة العربية على أنها نزعة شعوبية أو قومية، وذلك ليس صحيحاً بإطلاق. نحن مجموعة شعوب وقبائل اختارت أن تتواصل من خلال اللغة العربية، وساهم نزول الوحي في لغة قريش الفصحى في أن تكون اللغة الرسمية في الخطاب العام لمختلف الشعوب المتجاورة، ولا يمكن أيضاً إهمال دور الحراك الأدبي الباهر في عصور ما قبل الإسلام، وطغيان اللغة الفصحى المشتركة في مهرجانات الشعر مثل سوق عكاظ .. قبيلة المهرة إحدى القبائل التي تعيش في صحراء الربع الخالي جنوبي المملكة العربية السعودية قرب الحدود مع سلطنة عمان، ويصل عدد أفراد القبيلة لنحو 50 ألفا جميعهم لا يتحدثون العربية، فكيف يتواصلون. تعتبر هذه القبيلة أكبر مثال حي على ما أحاول تقديمه، فأفراد قبيلة «المهرة» العربية حسب التصنيف العرقي تتحدث بلغة تبدو غريبة، وغير مفهومة للكثيرين، وتسمى اللغة المهرية أو اللغة الحميرية» نسبة إلى المملكة الحميرية القديمة باليمن.. أشار خبراء الآثار واللغات القديمة إلى أن تاريخ اللغة المهرية، يعود إلى أكثر من 3000 عام، إلا أن أفراد القبيلة العربية لا يزالوا يتواصلون بها ليحيوها ويورثوها لأبنائهم كما انتقلت لهم من السلف، وتعتبر اللغة المهرية لغة منطوقة أكثر منها مكتوبة، وتحتل المرتبة الأولى لدى أبناء المهرة تليها العربية. المثير في الأمر أن بعض الأبحاث اللغوية أشارت إلى ثمة تقارب وتشابه بين اللهجات الأمازيغية واللغة المهرية في جنوب الجزيرة العربية، وهو ما يعزز وجود علاقة قديمة بينهما، وهو ما يدحض وجود قومية عربية خالصة وأخريات غير عربية، فالمفهوم القومي والعرقي غير واضح المعالم في العالم القديم. وذلك يعزز أن اللغة العربية لا تمثل عرقا محددا أو قبيلة تنحدر من أب واحد، ولكن ثقافة مشتركة بين شعوب المنطقة، واستمرارهم للتواصل من خلالها أكثر استقراراً وأكثر نفعاً لهم في مجالات الحياة، وأن دعوات الانفصال على أوهام العرقيات والقوميات هدفه سياسي محض، وليس ثقافي، فالهوية العربية المشتركة هي الخيار الأفضل للجميع، وجميع القبائل والشعوب تمثلها على درجة واحدة .. الدليل على تسييس دعوات الانفصال والاقتتال في المنطقة العربية غيابها التام في دول الغرب، ففي فرنسا توجد لغة فرنسية واحدة، ولا توجد لغات رسمية أخرى برغم من الوجود الثقافي العربي والإفريقي الكبير على أراضيها، وكذلك هو الحال في شمال أمريكا .. ختاماً العروبة أو العربية حالة ثقافية مشتركة بين شعوب المنطقة، وساهم توحيد اللغة المنطوقة في إخراجها في هذا الشكل الجميل، وفي الحفاظ على تراث المنطقة من عشرات القرون، لكنها لا تمثل عرقية محددة أو قوميات معينة، ولكن بمثابة الوعاء الحضاري العريق الذي أدى إلى جمع وتوحيد قبائل وشعوب متنافرة في ثقافة مشتركة وموحدة، فحافظوا عليها من أجل أمن المنطقة ومصالحها نقلا عن الجزيرة