اطلقت "الرؤية" وخطط التحول الوطني نقاشا وحديثا لمحاولة إصلاح الاقتصاد وإيجاد نموذج جديد. فالمحاولات الجادة قد تواجه بعض الظروف العالمية غير المواتية أو أن قراءتها للظروف غير عملية أو دقيقة. اقتصاد المملكة صغير نسبيا والمرحلة التنموية عصيبة تعتمد على التجارة الدولية بدرجة حاسمة ولذلك تصبح قراءة الأوضاع العالمية أكثر حساسية وأهمية منها لدولة كبيرة. هناك تغيرات عاصفة في العولمة خاصة في شقيها التجاري والبشري، بدأت في نجاح التوجهات والأحزاب الشعبوية، حيث انتهت بخروج بريطانيا من منظومة الدول الأوروبية، ثم فوز ترمب في الانتخابات الأمريكية، وقبلها قرب وصول رئيس يميني متطرف في النمسا، وتقدم مرشح اليمين في فرنسا. هناك حالة من الغضب في هذه الدول وغيرها من نتائج اعتناق النخب التقليدية سياسة التجارة العالمية خاصة ما نتج عنها من تناقص في الدخل لكثيرين، وتآكل العدالة قياسا على حجم الفجوة في الدخل والثروة بين المستفيدين والخاسرين وعدم قدرة كثير من هذه الدول على تعويض الخاسرين. في ظل هذه الأوضاع السائلة هناك غياب لافت لنقاش هذه الحالة العالمية بقصد إيجاد استراتيجية واضحة خاصة أن نجاح الخطط الوطنية سيعتمد بدرجة عالية على قراءة الظروف العالمية. فهناك توجهات حمائية وهناك توجهات للحد من استعمال الطاقة الهيدروكربونية وهناك تذمر واضح من الهجرة الاقتصادية. هناك عدة محاور وزوايا يجب علينا التعامل معها بكفاءة. الزاوية الأولى لابد من سياسة تجارية واضحة المعالم. داخليا لابد من العمل على تحرير وتوطين التجارة إلى أقصى درجة ممكنة بمساعدة أكثر جرأة ووضوحا من مجلس المنافسة وتسليحه بالكفاءات التحليلية اقتصاديا. عالميا، وبعد انضمام المملكة إلى منظمة التجارة الدولية، بدا وكأن النظام العالمي يعاني فلم يعد أحد يتكلم عن جولة الدوحة لمزيد من الانفتاح التجاري، ولذلك علينا ممارسة درجة أعلى انتقائيا وانتهازيا بما يناسب مصلحة المملكة تجاريا واقتصاديا مع الحرص على التبعات القانونية. المنافسة الداخلية تجعل من شركاتنا منافسا قويا على المستوى الدولي وتعزز الرفاهية المتوازنة في المدى البعيد. الزاوية الثانية تظهر حين نعرف أن المملكة من أكثر دول العالم انفتاحا على الهجرة الاقتصادية، بينما أحد أسباب الغضب في الدول الغربية جاء بسبب الهجرة الشرعية وغير الشرعية، والمستوى لدينا لا يقارن بهذه الدول في العدد أو الدور الذي يقومون به في الاقتصاد الوطني. لذلك يصعب الحديث عن التجارة الداخلية خاصة وحتى العالمية لدينا دون الحديث عن دور الوافدين فيها، ولكن المهم دور المهاجرين في مزاحمة المواطنين في سبل عيشهم.الزاوية الثالثة في رصد ما يحدث من تحول لسوق النفط من خلال التفريق بين التغيرات الدورية والهيكلية. تغيرات النوع الأول تكتيكية الطابع ومنها التعامل مع "أوبك" وحتى تزايد الاستثمارات في حال ارتفاع النفط أو الدعم لبعض الفئات، ولكن تغيرات النوع الثاني تتطلب خيارات مختلفة نوعيا لإيجاد بدائل لدخل الحكومة وتغيير دور الحكومة في إدارة الاقتصاد وتغيير أنماط التصرفات من مركزية الاستهلاك إلى مركزية الاستثمار. يقول أحمد يماني وزير النفط السابق إن العصر الحجري لم ينته بسبب قلة الحجر ولكن بسبب تغير المعادلة والدور الاقتصادي. على الرغم من أن سياسات اليمين الجديدة ليست مع السياسات البيئية إلا أن اقتصاديات الطاقة البديلة ساعية في تقليص تكاليف الإنتاج على الرغم مما يقال عن تقليل الدعم المالي والضريبي لها في الدول المتقدمة. الدرجة في السرعة والدقة في التنفيذ حاسمة. قراءة الظروف الخارجية مهمة جدا، مثلها مثل الأوضاع الداخلية للدول الصغيرة الأمر الذي يتطلب أن نبذل مزيدا من الجهد لدراسة هذه الأوضاع. تحديد استراتيجيتنا وخططنا لابد أن يبدأ بقراءة هذه الأوضاع وتحديد موقف دقيق منها. إعلاميا قد يكون التعامل رماديا ولكن في العمق العملي لابد من الوضوح والدقة والسرعة. نقلا عن الاقتصادية