كتب الزميل طلال آل الشيخ الوطن (5736) بعنوان البنوك السعودية الأسوأ في العالم، اعتمادا على عدة حقائق أفرزتها بعض البنوك العاملة في الوطن بعد عدة عقود على بدء نشاطها، ومع أنها تربح المليارات إلا أنه لا أثر لذلك على الدعم المجتمعي لأنشطته المختلفة سواء الصحية أو التعليمية أو الفكرية أو على البحث العلمي أو مشاريع الإسكان بالمساهمة في إيصال الخدمات إلى الأراضي البعيدة، وبناء المساكن وتمليكها للناس بقروض مقبوله أو تبني مبادرات خلاقة لصقل المواهب وإرسال البعثات الدراسية لتعود بالنفع على الوطن وأبنائه. البنوك فعلا تأكل بنهم ولا تشبع، مؤيدا وجهة نظره بضرورة إعادة النظر في القوانين التي تختص بالمؤسسات الربحية التي لم يجنِ منها الوطن ما يعود بالنفع عليه؛ وذلك باستقطاع جزء من أرباحها المتضخمة، ووضعها في صندوق مخصص يصب في صالح الدعم المجتمعي مباشرة مما يتوافق والرؤية الوطنية الشاملة، وقد ذكر في سياق موضوعه أن بنوك المملكة الوحيدة في العالم التي لا تعطي فوائد (أرباحا) على الودائع دون إبداء الأسباب، وهذا مخالف في حقيقته لما ذكره مجموعة من أهل العلم مثل ابن قدامة في كتابه المغني، والقرافي في الذخيرة وابن تيمية في الفتاوى وغيرهم بجواز إتجار المودع عنده بالوديعة المضمونة التي لا تتعين كالدراهم والدنانير من غير علم ولا موافقة المودع واستحقاقه جزءا في العائد على رأس المال. وحجتهم في ذلك ما أقره أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام في ما يشبه الإجماع لابني عمر بن الخطاب عبدالله وعبيدالله في إتجارهما بما أودعه عندهما أبو موسى الأشعري من الدنانير في البصرة لإيصالها إلى الخليفة في المدينة. فما كان من ابني عمر إلا أن أتجرا بهذا المال واستثمرا فيه ثم أعادا الوديعة إلى صاحبها مع جزء من الربح واستحقا بإقرار عمر ومن معه من الصحابه الجزء الآخر وقبضاه، والأصل في هذا قوله عليه الصلاة والسلام (الخراج بالضمان) ويقصد بها الحق في الحصول على النفع أو الكسب (العائد أو الربح)، وهي قاعدة فقهية تنص على من ضمن أصل شيء فله أن يحصل على ما تولد عنه من فائدة. وهذا الحديث هو ما احتج به الصحابة على استحقاق ابني عمر لجزء من الربح، بمعنى أن ما استحقه المستثمر على رأس المال بالوديعة المضمونة. كما أنه ينظر إلى هذه الأرباح والحصول عليها من باب تصرف الوكيل الفضولي في مال الموكل، وقد أقر رسول الله عليه الصلاة والسلام هذا التصرف في قصة عروة البارقي وذكره ابن قدامة الحنبلي في المغني أن الرسول أعطاه دينارا يشتري له شاة فاشترى له شاتين فباع إحداهما بدينار فأتى النبي بدينار وشاة فدعا له الرسول ((اللهم بارك له)) في صفقة يمينة فكان من أكثر أهل الكوفة مالا. وجاء مثل هذا في قصة حكيم بن حزام التي ذكرها النووي، فلو لم يكن استثمار المودع عنده للوديعة بغير إذن المودع جائزة لما أقرها الرسول وباركها، ولو لم يكن للمودع استحقاق في العائد على رأس المال لما قبل الرسول الشاه والدينار، وتأكيدا لأخذ الفوائد على الودائع ما رواه البخاري من حديث ابن عمر في الذي استثمر أجر أجيره وقد غاب عنه سنين ولم يقبض ماله قبل رحيله حتى تضاعف رأس المال فأعطاه إياه عندما رجع، وقد أكد ابن قدامة أن هذا أصل لكل من تصرف في ملك غيره بغير إذنه، يعضد هذا المعنى قوله عليه الصلاة والسلامة أتجروا في مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة، وهذا توجيه نبوي بالعمل على استثمار ما تحت يد المرء من أموال، والإتجار بالودائع إنما هو ضرب من أعمال البنوك اليوم. فعلها الزبير بن العوام الذي كان يقوم بأعمال البنوك فيحفظ ودائع الناس ويتاجر بها يستثمرها وربما أعادها بزيادة، ولم ينكر عليه أحد من الصحابة فعله هذا، ويحضرني حديث فضيلة الشيخ عبد الله بن منيع نشرته الاقتصادية (6232) عن رأيه في قيام بعض المصارف الربوية بجمع الأموال على أنها استثمارات في عقود المرابحة الإسلامية ثم يتم استثمارها في خزانة المصرف على شكل ودائع ربوية صريحة فكان جوابه أن ذلك جائز شرعا والمطلوب عدم الخوض في مثل هذه التجاوزات البسيطة، فلماذا تمتنع بنوكنا عن إعطاء فوائد (أرباح) على الودائع لديها وقد أجازها الشرع، فلماذا لا يأخذ أصحابها أرباحا عليها، فالأولى أخذها والإنفاق منها وصرفها على من يحتاجها أو على الأقل وضعها في صندوق خاص بإشراف مؤسسة النقد يصرف منه على أنشطة المجتمع الخيرية وعلى البحوث العلمية، بدلا من تركها للبنوك تتكسب من وراء ظهور المودعين دون وجه حق. نقلا عن عكاظ