قد يكون سابقا لأوانه الحديث عما سوف يتحقق وما لا يتحقق من الرؤية المباركة التي أطلقها محمد بن سلمان -الله يحفظه- خلال الزمن المحدد لها. ونحن بدورنا نتمنى لها النجاح، فهي بمنزلة المنقذ لاقتصادنا الريعي. الذي نفهمه مما نقرأ ونسمع عنها أنها ترمي بادئ ذي بدء إلى جمع أكبر كمية ممكنة من المال، بحجم التريليونات من الدولارات. وهو أمر ربما يتطلب بيع نسبة من احتياطي بترولنا الذي لا يزال تحت الأرض وبسعر متدن قد لا يتناسب مع قيمته المستقبلية عبر العقود القادمة، وشامل سياسة الإنتاج ومستقبل الاستثمار. ولنترك مهمة دراسة الموضوع للمختصين والمتخصصين. ونتساءل، هل القصد من مضمون الرؤية هو جمع المال ثم استثماره محليا وعالميا عن طريق إنشاء صناديق سيادية؟ ومن ثم سحب المكاسب السنوية من الصناديق من أجل صرفها كدخل مستقل عن البترول، أو هكذا نظن. ونتوقع أن ذلك سوف يمثل نسبة قليلة من الدخل العام. وسنظل كما هي حالنا اليوم، نعتمد على البترول بنسبة كبيرة. وهنا يعود التساؤل إلى الأذهان، ما الفرق بين كامل دخل البترول الذي نحن عليه اليوم وبين الدخل البسيط من الصندوق السيادي الذي سوف تكون أصوله على الأرجح من البترول؟ ولماذا لا يكون تمويل الخطة نسبة سنوية ثابتة ومستديمة من دخلنا النفطي مهما بلغ حجمه، تستخدم لتمويل مشاريعنا التنموية ضمن رؤية 2030؟ مع الأخذ في الاعتبار التوسع في قاعدة إشراك المواطن كعامل فاعل ومنتج وفي الشركات المساهمة المحلية ومشاريع استثمارات شركة أرامكو الصناعية. نحن، دون شك، بحاجة إلى مصدر دخل ليس مرتبطا مباشرة بالبترول، وفي الوقت نفسه، يكون مستديما. وهذا يتطلب أن يكون لدينا اقتصاد محلي حر ينمو ذاتيا ويدر علينا أرباحا صافية، وقوامه المواطن. ولا بد لذلك من وجود نشاط صناعي ينتج سلعا قابلة للتصدير والمنافسة وخدمات ذات قيمة مضافة، كالنشاط السياحي على سبيل المثال. ولكن أين نحن من ذلك ولم نبدأ بعد بخطوة الألف ميل؟ وكيف لنا أن نبدأ ونحن نصرف كامل دخلنا الضخم من البترول على متطلبات حياتنا وعلى إكمال بناء بنيتنا التحتية المكلفة؟ وما يزيد الأمر صعوبة هو كون معظم أعمالنا الإنشائية والخدمية تقوم بها عمالة أجنبية اعتادت على ترحيل مكتسباتها إلى بلادها. بينما نحن نعلم أن في البلاد المتقدمة تجد جميع الأعمال المنتجة فيها والخدمية يقوم بها أفراد المجتمع أنفسهم، فيظل المال يدور في اقتصادها، ما يعطيه قوة ذاتية. فهل نحن على استعداد اليوم لبناء جيل تكون هوايته وطموحه أداء العمل المثمر، بدلا من تفضيل القيام بالأعمال الناعمة كما هو وضعنا الحالي؟ هذا في نظرنا هو التحدي الأكبر لخططنا المستقبلية الواعدة. وليس سرا أن وجود ملايين العمالة الوافدة بالقدر الذي نشاهده اليوم من أهم عوائق تنمية اقتصادنا الوطني، عكس ما قد يتصوره البعض. فإلى جانب حرمان أبنائنا وبناتنا من الوظائف المنتجة، نجد أن نسبة كبيرة من العمالة غير المؤهلة تعيش على أرضنا عالة على اقتصادنا. فليس لوجودها ضرورة، وما تقوم به البسيط من الأعمال غير المهنية، مثل البيع والشراء والخدمات المتواضعة. فالحد من الاستقدام يجب أن يكون من أهداف الخطوات الأولى لرؤية 2030. وفي رأينا أن رؤية 2030 ليست فقط مخططا اقتصاديا يطمح إلى إيجاد نوع من الدخل المادي بعيدا عن مداخيل المشتقات البترولية ولا يتأثر بوجودها من عدمه، بل يجب أن تكون مشروعا اجتماعيا توعويا يهدف إلى تغيير نمط حياتنا وتفكيرنا ونظرتنا إلى المستقبل. يشمل مخرجات التعليم واختيار الأفضل من العادات الاجتماعية. وهذا في ذاته بحاجة إلى مجهود كبير من المؤسسات التعليمية وأصحاب المنابر والنخب الاجتماعية. وما نقوله هنا هو تعميم قد لا يؤدي إلى الهدف المنشود. وهنا يأتي دور عباقرة التخطيط وجهابذة التنفيذ ورواد المتابعة، شيئا فشيئا حتى يتوسع البرنامج أفقيا ويشمل معظم أفراد المجتمع، حين يكون قد بلغه مستوى خطورة الوضع الحاضر الذي نعتمد فيه حصريا على مصدر واحد قابل للنضوب. ونحن متهمون بأننا مدمنون على طلب مشورة الشركات الاستشارية العالمية في كل صغيرة وكبيرة. وقد يكون لذلك نصيب من الصحة، ولكن الاستخدام المعتدل شيء والإدمان شيء آخر. فالأخير قد يعطل أذهاننا ويجعلنا أمة اتكالية بدلا من أن ننمي قدراتنا الذاتية على الدراسات الاستراتيجية والإحصاءات المحلية. وهناك اختيار أقل كلفة وأكبر نفعا. فبدلا من أن نستدعي الشركات الاستشارية بجلها وجلالها، نوظف أفرادا متخصصين ومتمرسين في المهن التي نريدها. فيقومون بالإشراف والتدريب والقيادة لمجموعات وطنية على أداء المهمات المطلوبة. وسوف نجد أنفسنا بإذن الله بعد فترة من الزمن قد حللنا عقدة الإدمان وبلغنا الرشد في مجالات كثيرة ونستغني عن معظم الاستشارات الأجنبية المكلفة وغير الفعالة. نقلا عن الاقتصادية