راهن خبير نفطي على أن أسعار النفط ستعود إلى ما فوق المائة دولار للبرميل، على الرغم من استبعاد ذلك من بعض المحللين والمسئولين. وبرر الخبير النفطي عثمان الخويطر ذلك لسببين: الأول الاحتمال الكبير لاستمرار نمو الطلب العالمي على البترول، الذي يرتفع سنويًّا بأكثر من مليون برميل. والثاني توقع انخفاض الإنتاج العالمي بسبب استمرار نضوب حقول البترول وغياب اكتشافات جوهرية جديدة من نوع البترول التقليدي منذ أكثر من 30 عامًا. موضحا بأن الاكتشافات الجديدة على ندرتها، معظمها من نوع غير التقليدي المكلف. وعلى الرغم من التأثير السلبي الناتج عن تدني مستوى الأسعار الحالي فإن الذي أكثر أهمية وأكبر خطرًا هو المستقبل البعيد عندما يقترب البترول من النضوب وتتضاءل كميات إنتاجه، مع ما يرافق ذلك من ارتفاع كبير في التكلفة، ونحن لا نزال أمة مستهلكة وغير منتجة. وشدد الخويطر خلال محاضرة في منتدى ثلوثية با محسون لم تحضرها من وسائل الإعلام سوى «الجزيرة» أن المصادر غير التقليدية وعلى وجه الخصوص البترول الصخري الذي تنتجه الآن أمريكا لا ينافسنا في السعودية، كما يتناقله البعض. بل العكس هو الصحيح، فقد أفادنا كثيرًا ظهور البترول الصخري قبل سنوات عندما ملأ الفراغ الذي كان من المفترض أن نرفع إنتاجنا، كمنتج مرجح، إلى مستوى قد يصل إلى 13 مليون برميل في اليوم لملئه. وهذا كان قبل ظهور فائض الإنتاج الأخير الذي أودى بالأسعار إلى الحضيض. ونحن نعلم أن أي زيادة في الإنتاج من حقولنا تكون على حساب عمر البترول الذي هو مستقبل حياتنا، وهو ما يجد الكثيرون صعوبة في استيعابه وهضمه. وأضاف: ظل العالم يستخدم البترول التقليدي أو الرخيص منذ أن عرف الإنسان هذا المصدر من مصادر الطاقة وتم حتى الآن استهلاك أكثر من نصف الاحتياطي العالمي من التقليدي وبقي أقل مما استُهلِك. مبينا أن المتبقي من هذا النوع لا يزيد عن تروليون برميل رغم ما يشاع عن وجود ما يزيد عن ترليون وخمسمئة بليون برميل. فأكثر من ثلاثمئة بليون برميل من البترول الثقيل والرملي الذي أضافته مؤخرًا كل من فينزويلا وكندا على التوالي، رغم أنه محسوب على غير التقليدي. بالإضافة إلى ما يقارب مئتي بليون برميل أخرى نتيجة للتضخيم غير المبرر الذي تمارسه معظم دول الأوبك، ودول أخرى. وقد اتخذ معدل الأسعار خلال العقود الماضية، بوجه عام مسارًا تصاعديًّا مع مرور السنين حتى تجاوز سعر البرميل مئة دولار. وقد بلغ الإنتاج العالمي من نوع التقليدي الذروة منتصف العقد الماضي، مع استمرار نمو الطلب العالمي. وهنا حدث أمر طبيعي، وهو الحاجة إلى روافد جديدة للبترول التقليدي، تفي بمتطلبات المجتمع الدولي وتحِد من صعود الأسعار إلى مستويات قياسية. فوجدوا ضالتهم في ما يسمى بالبترول الصخري، وهو بترول عادي محبوس داخل مسام صخرية مغلقة. واستخدموا لإنتاجه تقنيات معروفة ومستخدمة قبل عشرات السنين، تسمى التكسير الهيدرولوكي والحفر الأفقي. الوضع الحاضر للبترول وأضاف الخويطر: يتميز الوضع الراهن بانخفاض غير طبيعي لسعر البترول. فقد انحدر السعر أواخر 2014 من أعلى من مائة دولار إلى ما دون الخمسين دولارًا. والسبب الظاهر لهذا الحدث هو توفر آنذاك فائض إنتاج أقل من مليوني برميل. وعزز ذلك عدم الوصول إلى اتفاق بين المنتجين حول إجراء خفض مشترك يساعد في المحافظة على الأسعار. وصادف الحدث أيضا ارتفاع في صرف الدولار الأمريكي وضعف بسيط في الطلب العالمي. وكان من المتوقع أن ينخفض السعر بنسبة لا تزيد عن20إلى30%. ولكن الانخفاض تجاوز50%. والسؤال الذي يطرح نفسه هو، لماذا اختار المنتجون قبول خسارة مالية ضخمة من دخلهم، تتراوح نسبتها بين 45 إلى 70%، على تخفيض بسيط يحفظ لهم دخلاً أكبر ويوفر قسمًا من ثرواتهم البترولية المهدرة؟ احتار المحللون في الأمر. فمنهم من كان يظن أن الدول المنتجة أو بعضها، تريد طرد البترول الصخري من السوق. ومن جهة أخرى ينقل الإعلام إصرار دولٍ بعينها على الحفاظ على حصتها في السوق، حتى ولو تمادى السعر في الانخفاض. ولكن المنطق لايقبل كلا التأويلين. فالصخري أتى ليبقى ولو انخفض إنتاجه قليلاً مؤقتًا خلال الأزمة السعرية الحالية فإنه سيعود إلى سابق عهده بمجرد عودة الأسعار إلى الارتفاع، وهو أمر وارد. وتكون النتيجة بالنسبة للمنتجين خسارة مالية كبيرة غير قابلة للتعويض، إضافة إلى خسارة إنتاج كميات كبيرة من البترول تباع الآن بأسعار متدنية، كان الأولى أن تظل في مكامنها تحت الأرض. وكذلك الحال بالنسبة لفكرة المحافظة على الحصص، فليس له ما يبرره اقتصاديًّا. ودعونا نحلل الأمر. كان الفائض أقل من مليوني برميل من مجموع الإنتاج العالمي البالغ 95 مليون برميل. ولن تكون هناك دولة مصدِّرة مستهدَفة بذاتها، بل الأغلب أن يتوزع عدم شراء الفائض عشوائيًّا بين عِدة دول. ولانتصور أن تقبل الدول المصدرة بخفض السعر إلى ما يزيد عن 50% على أن تشارك في خفض الإنتاج بنسة متواضعة. والموضوع لاعلاقة له بما سيحدث للأسعار في المستقبل، لأن ما يفقدونه اليوم من المال ومن الكميات الهائلة من البترول الذي يباع الآن بنصف السعر لن يعَوَّض، بل هي خسارة مستديمة. ورب سائل يقول، ما هو إذًا القصد من عدم قبول مبدأ التخفيض الجماعي؟ والخيال في هذا المجال واسع. فتستطيع أن ترمي اللوم جِزافًا على عدم قبول كبار المنتجين التنازل من أجل الآخرين. وهو أيضا أمر وارد، رغم غرابة الموقف. والاحتمال ألآخر هو أن يكون لبعض الدول المعنية مصالح خاصة تقتضي التضحية بالمال في سبيل تحقيق أهداف استراتيجية معينة. وهذا أيضا جائز ولا غبار عليه. وتابع الخويطر: لانريد أن نحكم على المواقف المختلفة للمصدرين من ذات أنفسنا، ودون أن يكون لدينا دليل صريح أو تصريح يقبله العقل والمنطق. أما متى تنحل العقدة وتعود المياه إلى مجاريها، أي يعود السعر إلى ما كان عليه قبل النزول الكبير، فهذا أمر مرهون بعدة عوامل: منها ارتفاع الطلب وتآكل الفائض، وهذا سيستغرق سنوات طويلة إذا تُرِك الوضع يأخذ مجراه الطبيعي دون تدخل من الأطراف المعنية. والثاني، إذا وجدت مجموعة الدول المصدرة الرئيسية أن استمرار انخفاض الأسعار لا يخدم مصالحها الآنية والمستقبلية والاستراتيجية وأذعنت للمفاوضات الجادة من أجل الصالح العام، فقد تتوصل إلى صِيغة مرضية لِخفض الإنتاج بنسب يُتفق عليها، فيؤدي ذلك إلى ارتفاع الأسعار. مستقبل إنتاج البترول ومضى الخويطر: نود أن نحصر الحديث في مستقبل إنتاج البترول التقليدي، نظرًا لأهميته القصوى بالنسبة للبشرية عامة ولنا خاصة. فهو يمد العالم اليوم بنحو90% من احتياجاته من الطاقة البترولية ونسبة كبيرة من المتطلبات الصناعية الأخرى. فهناك شبه غياب تام لأي اكتشافات جديدة ذات قيمة من نوع البترول التقليدي خلال العقود الماضية. ومعظم الاكتشافات التي يتم الاعلان عنها، إما أن تكون حقولا صغيرة أو أنها تقع في الغالب وسط البحار العميقة والمناطق المتجمدة، وهذه تصنف من ضمن البترول غير التقليدي المكلِف. وقد بلغ إنتاج التقليدي الذروة منذ سنوات وهو ما ساعد على ارتفاع الأسعار حتى تجاوزت المئة دولار وفتحت المجال لقدوم البترول الصخري أواخر العقد الماضي. وإذا سلمنا بأن إنتاج البترول التقليدي اليوم هو في مرحلة ما يسمى بالبلاتو، فمن المؤكد أنه سيبدأ رحلة الانخفاض التدريجي قبل نهاية العقد القادم. وهو ما يستدعي رفع كمية إنتاج غير التقليدي المكلِف من البترول الصخري خارج أمريكا الشمالية. وهذا يتطلب أسعارًا أعلى بكثير من مئة دولار للبرميل. بالإضافة إلى أن إنتاج الصخري شحيح مقارنة مع إنتاج البترول التقليدي، ويتطلب حفر عدد كبير من الآبار مع مرافقها المكلِفة. ولذلك، فمن المتوقع أن يواجه المجتمع الدولي نقصًا حادًّا في الإمدادات البترولية قبل نهاية العقدين القادمين. وإن كان الأمر يعتمد أيضا على مدى التوسع في مجال مصادر الطاقة المتجددة. فالطاقة الشمسية النظيفة والمستديمة على سبيل المثال، أصبحت اليوم تنافس من حيث التكلِفة معظم مصادر الطاقة وهي رافد متميز للمشتقات البترولية. مستقبل النفط بالخليج وحول مستقبل النفط بالخليج، قال الخويطر: يجب أن نخطط لأمرين هامين: الأول عملية تقنين الإنتاج منذ البداية بحيث لانضطر إلى الإسراف في استنزاف هذه الثروة المحدودة، وهو، أي الاستنزاف، ما حدث فعلاً. فقد أصبح الخليج ومنذ عقود، ينتج كميات، ليست فقط تلبي جميع متطلبات حياتنا، بل تفيض عن حاجتنا، وبتنا نبحث عن مزيد من راحة الأبدان ورفاه العيش. فاتجهنا إلى استقدام الملايين من الأيدي العاملة الأجنبية، على الرغم من أن نسبة كبيرة من شبابنا كانوا، ولا يزالون، شبه عاطلين عن العمل المنتِج. وبدلاً من أن يكون وجود العمالة الأجنبية إضافة إلى الاقتصاد المحلي، أصبحت نسبة كبيرة منهم عالة عليه. فلدينا بضعة ملايين وافد مهنتهم ممارسة التجارة وبعض الحرف المهنية لحسابهم الخاص. وهؤلاء من السهولة بمكان الاستغناء عن وجودهم وإحلال المواطن محلهم لو أردنا ذلك. فإلى جانب مكاسبهم التي يرحِّلونها إلى بلدانهم تجدهم أيضا يستفيدون من جميع التسهيلات والإعانات الحكومية المقصودة للمواطن وينهكون البنية التحتية. فعلى سبيل المثال، نحن ننتج اليوم من البترول كميات تفيض عن حاجتنا عندما كان السعر عند مستوى المئة دولار، مع وجود ما يزيد عن 13مليون وافد. وإنتاجنا القومي خارج دخل البترول يكاد لايُذكر، بدليل أن البترول يمثل أكثر من90% من دخل الميزانية. وبدلا من أن يكون لدينا نموّ اقتصاديّ حقيقيّ أصبح عندنا نموّ كبير مؤقتًا في الدخل البترولي الذي ليس للمواطن يد فيه. ونحن حتى الآن لم نستغل استثمار فوائض أموالنا في مشاريع محلية تنموية ذات قيمة مضافة لاقتصادنا الريعي. وإذا فات علينا ذلك في وقت الفوائض المالية فلن يكون الغد بأفضل من وقتنا الحاضر. فنحن على أبواب بدء نضوب دخل البترول حتى مع ارتفاع الأسعار. فسيأتي الوقت الذي نواجه فيه انخفاضًا قسريًّا للإنتاج وارتفاعًا كبيرًا للتكلفة، وذلك في غضون عقود قليلة. ونحن لانزال نعيش في أوهام استمرار ضخامة الدخل ورفاه العيش. فنسبة النمو السكاني في بلادنا تكاد تكون الأعلى عالميًّا. وما هي إلاعقود قليلة حتى نجد أنفسنا وقد بلغ عددنا من دون الأجانب أكثر من60 مليون نسمة. وأضاف الخويطر: لن يكون لدينا نموّ اقتصاديّ مثمر ما لم يكن المواطن العامل الرئيس فيه. وليكن هدفنا إطالة عمر الحقول، وليس إنهاكها بصرف النظر عن مستوى الطلب العالمي وحركة الأسعار. ولكن لابدَّ من أن يصاحب ذلك من جانبنا وعي وتفهم وإدراك بأن البترول سيظل، ولعقودٍ طويلة، مصدر مهم للطاقة والأهم في مجال المواد الصناعية. وأن لا نلقي بالاً لترويج فكرة الاستغناء عنه بأي حال من الأحوال، ما دام أن إنتاجه اقتصاديًّا. وتابع: علينا أن لانرفع إنتاجنا فوق الحد الأدنى من متطلبات أحوالنا المعيشية تلبية لرغبة السوق الدولية إذا لم يكن الهدف خدمة مباشرة لمصالحنا القومية والمستقبلية. وذلك بصرف النظر عن ما سيترتب عليه من احتمال ارتفاع الأسعار إلى مستويات قياسية جديدة. والأفضل، بالنسبة لنا، أن يكون جُلَّ اهتمامِنا موجَّه نحو تنويع الدخل وليس الاستجابة لفرص زيادة الطلب التي حتمًا تؤدي بنا إلى استنزاف ثروتنا البترولية، فالثقافة البترولية يجب أن تكون فرض عين على جميع المواطنين، يدرسونها في مختلف مراحل الدراسة ويتفقهون في مستقبلها كمصدر مهم لدخلهم.