التحول الذي يسبقه فكر ورؤية قبل الممارسة المهنية في أي نشاط أو جهد بشري حتماً ينتهي إلى مخرجات إيجابية مميزة، ومتجددة، وذات صلة وثيقة بالواقع والمستقبل معاً، ومواصلة النهوض نحو أفق واسع من المشاركة، والتجربة، والتفاعل مع الأحداث والأزمات، والتخلي عن التقليدية، والاتجاه الأحادي، وصولاً إلى التأثير وهو الأهم في أي ممارسة لتوعية الجماهير، والتعبير عن الآراء والمواقف بمصداقية ودقة وموضوعية. والإعلام السعودي الذي بدأت تتشكّل هويته، ورؤيته، وممارسته نحو مشروعات تطوير ملموسة ومؤثرة وذات فاعلية في التعبير عن الصوت المعتدل، وبناء المواقف، واحتواء ردود الفعل، والمبادة في صناعتها كخطوة مهمة في معالجة الخلل، وتجاوز القصور؛ هو في الواقع تحول تستحقه المملكة التي تصدرت المشهد العربي والإسلامي والدولي من خلال رغبة قيادتها نحو تعزيز السلم العالمي، ومكافحة الإرهاب، والتطرف، واستثمار العلاقات الدولية، والانفتاح على الآخر، والمحافظة على الثوابت الدينية والوطنية، وتقدير شرف الكلمة، وصيانتها من العبث، إلى جانب مشاركة المواطن في التعبير بحرية مسؤولة عن واقع بلاده، والدفاع عنها، وتقدير دوره وتحفيزه على العطاء، وأن يكون جزءاً مهماً في ممارسته الواعية في مواقع التواصل الاجتماعي. يوم أمس الأول دشن وزير الثقافة والإعلام خارطة عمل جديدة لوكالة الأنباء السعودية (واس)، ممثلة في البوابة الإلكترونية والهوية الجديدة، وهو تحول مهم في ممارسة الإعلام الرسمي، وخروجه من عملية النقل، والتعبير المحدود إلى التفاعل مع الواقع المتسارع في الداخل والخارج، وقطع الطريق على أي اجتهادات في الحصول على المعلومات من مصادر غير موثوقة، إلى جانب -وهذا هو الأهم في المشروع الجديد- التواصل مع الآخر بعدة لغات إنجليزية، وفرنسية، وفارسية، وروسية، وصينية، وقريباً لغات أخرى مع نهاية العام، وكذلك خاصية البث المباشر للأحداث والمناسبات، والتفاعل بحسابات رسمية على مواقع التواصل الاجتماعي، بما يتيح فرصة المشاركة، ونقل الحقائق قبل تلوينها أو تزييفها من أي مصدرٍ آخر. الإعلام السعودي الذي يتحمّل اليوم عبئاً غير مسبوق في التصدي لمشروعات إعلامية معادية تبحث عن الإثارة، والتأزيم، ونشر الطائفية، وتلفيق التهم، والأكاذيب؛ استطاع أن يخرج من تقليدية الممارسة برؤية عمل جديدة، وبعيدة عن المزايدات، أو التجاذبات، أو المماحكات التي لا تصل إلى هدف، ولا عمل ممنهج، حيث رسم القائمون عليه توجهات تعكس قيم المجتمع، ومكانته، ودور قيادته المشهود لها بالعمل المخلص لنصرة قضايا الأمة، إلى جانب الوصول إلى مواقع التأثير العالمي، من خلال استهداف النخب والدوائر المؤثرة في صناعة القرار، وعدم الاكتفاء بالتنديد والإدانة أو القبول والرفض، وإنما تسجيل المواقف، وإعلان الحقائق، من خلال عمل إعلامي يخاطب العقل، ويثير تساؤلات التغيير للمواقف السلبية، ويبادر إلى صناعة الحدث، والموقف منه على أسس واضحة من الفعل السياسي، والمشاركة المجتمعية. وزارة الثقافة والإعلام أخذت على عاتقها مسؤولية كبيرة في مخاطبة الآخر، والوصول إليه، والتأثير على توجهاته وقراراته، وهي مهمة بدأت اليوم باللغة، وسوف تستمر في الفعل من خلال المشاركة في مراسم حضور رسمية في ندوات وملتقيات فكرية ونخبوية، وتنظيم فعاليات ثقافية وإعلامية في الخارج، وهي رسالة على أن الإعلام الخارجي ليس تعدد قنوات فضائية، أو لغات، وإنما هي مع ذلك مشاركة وليست استقطاب أو اصطفاف، وهذه الرؤية هي التي يعول عليها اليوم في إيصال صوت المملكة المعتدل، من خلال المشاركة في برامج وحوارات دولية، وتقديم صورة المملكة في معارض وبرامج جماهيرية، وهذا الدور يتطلب أيضاً حضوراً واعياً من بقية مؤسسات الدولة؛ فالمهمة ليست موكلة لوزارة الثقافة والإعلام، وإنما الجميع يشارك بجهده ورؤيته نحو تدعيم رسالة الإعلام الخارجي للمملكة، حتى المواطن في سلوكه، وتعبيره، هو جزء من هذه الرسالة؛ لأنه لا يمكن أن نبني في جانب مؤسسي، والمواطن يمارس الخطأ في جانب آخر ويسمح فيه للإعلام المضاد أن يصدر أحكامه على مجتمع بأكمله. نقلا عن الرياض