إن كان المال بقدر ما هو مفصل أساسي لاستقامة حياة الإنسان أو اعوجاجها، وفوهة كبرى لا تمل ولا تشبع من ابتلاع الأحلام وسحق الأخلاق والإنسانية في بعض أحوالها.. فإن السُلطة لا تقل عن المال قوةً وجبروتاً.. بل المال أحد أبنائها الصغار.. ولها ألف رحم تمنح من خلالها الحظوة والتمكين.. تلك أجنحتها التي تطير بها ومنها الرؤوس وتسحق الحناجر.. تكون عزاً بيد الرحيم الحكيم.. في حين تكون ذلاً بيد الطاغية.. يذيق بها العباد عذاباً وتنكيلاً. للسلطة أبواب تدلف من خلالها لتتوسط حياة الخلق.. فمن باب قوة البدن تستخدم في الخير أو البطش.. ومن باب القانون فإما أن يسود ويطبق على الجميع.. ويثبت العدل أقدامه أو يكون مزاجي الوقع.. فيطحن الضعيف والفقير والإنسان البسيط. ومن باب كرسي القيادة تتطاول للفساد ألف ذراع وإصبع.. أينما مُدت تسرق وتقلب الحقائق وتفقأ عين الحق وتهين صاحبه.. وعندما تمنح السلطة دون حدود.. فإن مصير الأمن يراقص إبليس على إيقاع الغواية.. واتفاقهما مسألة وقت وإن طال قليلاً.. بحسب يقظة الجمهور وجسارته. واختصار ذاك كله ما قاله الرئيس السادس عشر للولايات المتحدةالأمريكية أبراهام لينكولن: «معظم الرجال تقريباً يمكنهم تحمل الصعاب، لكن إن أردت اختبار معدن رجل فاجعل له سلطة» نعم.. فالسلطة تخرج بواطن الفرد إلى السطح دون ترتيب أو تلفيق.. تخرجها خامًا ولا يمكن أن تصّنع لشكل مغاير.. تسقط بها الأقنعة.. ليخرج الوجه الحقيقي عارياً من ادعاء اللسان والتوائه. وأفضل مثال يمكن أن نقيس عليه.. رجل هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. هو شرطي وليس بشرطي.. رجل أمن وليس برجل أمن.. رجل دين وليس برجل دين.. يأخذ السلطة وليس له تخصص محدد.. إنما شيء مساند لأجهزة لا تقبل أن يزاول أفرادها مهنتهم قبل أن يدرسوا تخصصهم ويتدربوا ويتقنوا.. أما رجل الهيئة فهو الموظف الوحيد الذي يملك سلطة الممارسة دون التعليم وأخذ شهادة التخصص.. لأن الجامعات لم تطرح تخصصاً صريحاً وعلمياً لمهنته.. رغم أنها أي مهنته.. تدخل في صميم حياة المجتمع.. في أخلاقهم وسلوكياتهم وتدينهم.. مهنة بهذا الحجم بالله عليكم كيف لا يكون من يزاولها قد درس شيئاً من علم النفس والاجتماع والوطنية والدين.. يخوله للتعامل مع هكذا مسئولية! في حين أن كل موظف آخر من موظفي الدولة والذي تضطره مهنته أن يتعامل مع أمور حساسة تهز المجتمع سواء كانت النفسية أو الاجتماعية أو الصحية أو الأمنية لا بد أن يمر بقنوات التعليم إلى أن يصل لمرحلة معينة.. ومن ثم يمنح التمكين للمزاولة. لذا فمن الطبيعي أن يكون عمل الهيئة مثار جدل ولن تنتهي الأخطاء ولا التجاوزات.. إلا إن حددت هوية هذا الجهاز.. فإن كان أمنيا أو اجتماعياً أو دينياً يضم لجهاز يناسبه.. ويتساوى أفراده في التعليم واستحقاق الوظيفة والممارسة. فإذا كان المعلم يدرس تخصصه قبل أن يصبح معلماً.. ورجل الأمن يدرس تخصصه قبل أن يأخذ شارته.. والأخصائي النفسي لا يكون إلا بشهادة وووو إلخ.. فما هي مؤهلات رجل الهيئة قبل أن يمارس سلطته؟ نقلا عن الجزيرة