إن الشخصيات العاقلة المتزنة هي التي تسلك هذا السبيل الجميل من التفكير ، وهكذا أيضا يتميز التفكير المتزن عن ضده الأحمق والعصبي ، إذ يدل الأول إلى جميل الحلول وأفضلها ؛ بل وأقلها تكلفة ، بينما يقود الآخر للأسوأ ؛ بل الهلاك أحيانا . التفكير المتزن يأخذ وقته بالتمعن في كل الحلول الممكنة ، والتي قد لا يلوح بعضها فور طرح المشكل ؛ بل قد تظهر حلولا لاحقا أكثر اتزانا ونضوجا وجمالية ، وذلك في إطار القدرة العالية على المحاكمة العقلية الناضجة وعزل العواطف وإخراجها خارج دائرة المشكل أو البحث قدر الامكان وإن كان في ذلك صعوبة نوعا ما ، إلا أنه شرط من شروط منهجية التفكير الموضوعي المتزن السليم لبحث أي قضية. إن التفكير المتزن يعد أيضا شرطا هاما من شروط تنمية الفكر بشكل عام و الابداع بشكل خاص ، لا يفهم أحد أبدا من أن التفكير المتزن يعني التفكير الرتيب أو التفكير الواقعي والذي يحافظ على المألوف.. لا أبدا ! إنه ذلك التفكير الذي ينطلق ليطرح حلولا جديدة ورؤى أكثر نضوجا وقد يخلق حالة إبداعية ذات فائدة . التفكير المتزن يعطي فرصة كافية لأي فكرة دخيلة عليه أو ناقدة له أو تتعارض معه والتي عادة ما تركز على الجوانب السلبية للموضوع أو حتى الغير واضحة أو الغير مفهومة لتحليلها واستخلاص فوائدها ، فلا يمكننا اتهام التفكير الناقد إلا بأنه تفكير مفيد يساعد على صقل وبلورة الفكرة الأساس أو موضوع البحث لأنه قد يكون مبنيا على حقائق وبعضها تغيب عنا ، وإنصافه الأخلاقي لنا في دائرة النقاش غير ملزمة. لكن يجب أيضا تدريب النفس الناقدة أو الملاحظة لسوالب الأمور على ألا تكون أسيرة هذا اللون من التفكير فقط ، وكأنها لا تحسن غير النظر بعين ناقدة دائما .. إلا أن المزج بين أنواع التفكير هذه على مستوياتها المختلفة وتوظيفها بأوقاتها ، إنما هو دليل على التفكير المتزن الغير مكلف ؛ بل أجزم أنه بذلك يحول بعض جوانب التفكير السلبي التي قد لا يراها الكثيرون إلى أفكار ذوات فائدة ، فما يتمتع به الشخص من معرفة تؤهله وتجارب تصقل هذه المعرفة تكون عامل مهم وكبير في جعله إنسان يتمتع بتفكير متزن يستخرج أجمل الحلول وأنضجها . لابد القول بأن التفكير الانفعالي العاطفي الطائش الغير متزن والذي قد يسوق لتفكير متهور أحمق ، قد يضع صاحبه بمشاكل هي أكبر وأعظم من المشكل الذي تعرض له ولم يعالجه بروية أكبر وبرؤية أكثر وضوحا ، وهنا نتكلم عن المشاكل التي لا تتخطي حدود كرامة الانسان التي قد تسلك شأنا آخر في معالجة الأمور ، وإن تندرج حلول مشاكلها في العموم تحت التفكير المتزن أيضا . إن صاحب التفكير المتزن عادة ما يتميز بتفكير مرن ، وهو ذلك التفكير النوعي الذي يختار أنجع الحلول وأنسبها من بين كل الاحتمالات والخيارات التي تؤدي لأفضل النتائج. بالمرونة الفكرية تمرمن فوق كل الحلول دون أن ترغم نفسك بمقارعة المستحيل ، فتوفر قدراتك بترشيد طاقاتك والوصول للهدف بأقل الخسائر.